صالح الغازي: الحرية الزائفة على منصات التواصل
مع بداية الألفية، صنّفت منظمات دولية معنية بحرية الرأي دول العالم، فكانت دول أعداء للإنترنت، وأخرى أقل عداء حسب منعها أو تداولها للإنترنت. وقامت الدنيا ولم تقعد على بلدان حين حجبت الشبكة العنكبوتية، أو حظرت رأياً لأنه يضر بنسيج المجتمع، ونجد ردود الأفعال الرسمية للبعض كالتالي: (بلد كذا يشدد الرقابة على كذا، وهو إجراء يثير الكثير من المخاوف ويهدد حرية التعبير). أو (بلد كذا يعتم على خبر كذا أو يمنع رأي فلان مما يعد خرقاً لحقوق الإنسان). ونتج عن ذلك رواج هذه الأفكار على شبكات التواصل، وأسهمت في إنجاح عدد من الثورات والاحتجاجات خلال السنوات العشر السابقة، وتغير عدد من نظم الحكم، وأثر ذلك في الاقتصاد والاجتماع بالطبع. وكان الرأي الكلاسيكي أن الرقابة من أهم طرق الإدارة للحفاظ على النظم والتقاليد والقيم والأهداف. في مقابلة أصوات أكثر حداثة عن الرأي بصفته نسبياً ولا داعي للقلق منه، وأن حرية التعبير من حقوق الإنسان، فالرأي السياسي يختلف من فرد إلى آخر، ومن معسكر إلى آخر، والنداء الدائم هو أن لا منع للتعبير تحت أي ظرف. وشجعت وسائل التواصل الاجتماعي على تكوين مجتمع عالمي، لدى كل فرد فيه قوة مشاركة أي شيء يريده مع أي شخص يريد. *** والآن بعد أن هيمنت وسائل التواصل الاجتماعي، هل لاحظت أن حسابك على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعمل؟ أو تم توقيفه أو لا يراه أحد؟ أو لا تأتي لك أي متابعات جديدة؟ هل تم تنبيهك بحذف مشاركة لك لأنها تحتوي على لفظ غير مقبول؟ أو فكر غير مرحب به؟ أو انتهكت خصوصيتك بمجرد أن أبديت إعجابك بشيء وأنت تفتح شبكة التواصل تجده يظهر لك؟ نعم، يحدث ذلك باستمرار على كل الوسائل، وتتوقف الحسابات، سواء بمعرفتنا أو دون أن نعرف. وببساطة، ترسل لك منصة التواصل الاجتماعي تطلب الموافقة على تجديد سياسة الخصوصية لتغير تنظيم علاقتك بها، وعليك القبول أو تكون خارج مجتمعها! هذا هو الأمر معها من دون معيار أو قيم ثابتة.
حدث مؤخراً تقييد حساب ترامب من بعض مواقع التواصل، وهو حدث يضع الأمر في الصدارة. هل يعينونه بالأمس فتعظم استثماراتهم، ويكونوا أدواته الإعلامية لنشر قراراته، فيقيل ويقرر ويخاطب مؤيديه من خلالها، لكن اليوم يتم منعه؟ رغم أنه حتى لحظة المنع ما زال رئيس أميركا ولم يدن في أي قضية! ويوجد مثله في العالم في كل بلد واحد أو أكثر ولهم حسابات لم تغلق! هل تقدم لنا ما تريده وتمنع عنا ما نريده، والأمر خاضع لتوليفة علاقاتها وسلطاتها ونفوذها؟ فهل نحن في مرحلة يتوجب تصنيف منصات التواصل الاجتماعي إلى منصات أعداء للتواصل، ومنصات أقل عداء للتواصل؟
مقال صالح الغازي
الحرية الزائفة على منصات التواصل
المقال في صحيفة القبس
الخميس ٢١ يناير ٢٠٢١ https://alqabas.com/article/5833198
تعليقات
إرسال تعليق