صالح الغازي : فيلم 1917.. الوقت الفعلي
قال المخرج البريطاني الشهير سام ميندز عن فيلمه: «أحداثه ستظهر في الوقت الفعلي لجعل الجمهور أقرب ما يكون إلى الشخصيات». هذا التصريح جعلني أفكر في ما سيفعله وانتظرت الفيلم، لكن لما عرض ترددت في حضوره لكونه فيلما حربيا، وأثناء الحرب العالمية الأولى، توقعت اثارة وعنفا، لكن عدت وقررت مشاهدته، في ابريل 1917 شمال فرنسا، يقول الضابط للعريف «بليك» اختر معك أحدهم وتعال، فاختار الجندي النائم بجواره «شوفيلد»، تم تكليفهما بمهمة داخل فرنسا لعدة أميال للحاق بالفيلق المتقدم لتوصيل رسالة بإلغاء أوامر الهجوم على الألمان لأنهم انسحبوا ونصبوا فخا لإبادة الفيلق وقوامه 1600 جندي، العريف «بليك» متحمس لإنقاذ أخيه الملازم «جوزيف» بالفيلق، و«شوفيلد» يلومه لاختياره، لكنه يؤكد أنه لم يكن يعلم ويطالبه بالعودة لكنه يكمل. العريف «بليك» هو دين تشارلز تشابمان، الممثل الإنكليزي الذي أبدى جدية في أدائه، و«شوفيلد» هو الممثل الإنكليزي المفاجأة جورج ماكاي. شابان إنكليزيان لطيفان في مقتبل العمر، يعبران مناطق خطرة بالأفخاخ التي صنعها الألمان، فيقتل «بليك»، ويأخذ «شوفيلد» مقتنياته الشخصية ويكمل، ليكون مصير المتحمس الموت والجندي المتورط يكمل بدافع إنقاذ الأبرياء! ماكاي أجاد بشكل استثنائي، ونجح في توصيل الرسالة للجنرال وسلّم الملازم مقتنيات أخيه الشهيد في مشهد مؤثر وقوي. وفلسفة الوقت الفعلي، العامل الأبرز والحديث لتنفيذها نفذها المصورالانكليزي الشهير روجر ديكنز، الذي قدم تقنية تصوير كما لو كان لقطة واحدة، بالاضافة إلى ان المشاهدة مترابطة، وهناك دراية من اللحظة الأولى بمعاناة الجنود ونقل التفاصيل سواء الجغرافية أوعن الدمار، والانتقال بواقعية من النهار إلى الليل، وبإبهار بصري أوهمنا بالخطر وباحتمالات مخيفة بعضها لم يحدث، وإيهام اللقطة الواحدة جعلنا كمن أخذ نفساً وحبسه طيلة الساعتين، ورغم أن مشاهد الخنادق في البداية شعرت أن المسافة قريبة جدا وقد أضرتها «ألوان شوت»، لكن بالمجمل وصلت واقعية مخيفة عن مدى عشوائية تسيير الأمور في الحرب وعبثها. بالتأكيد استندت فلسفة الوقت الفعلي إلى دقة المونتاج، والمؤثرات الصوتية والموسيقي التصويرية، التي جاءت بعمق إنساني شفيف لتوماس نيومان، كرثت للحالة الواحدة الممتدة. وألفت النظر إلى سبب مهم في قرب الشخصيات للجمهور، حيث براءة وصدق وجدية جميع الشخصيات، فلم يظهر أي شرير أو متغطرس أو أحمق مثل افلام الأكشن، حتى الجنرال لم يتغطرس ولم يرفض التراجع كما كان المتوقع، حيث تم التحذير أن يجعل معه شهوداً حين يسلمه الرسالة (لهوسه بالحرب)، إنما أخذ القرار بالانسحاب في مشهد من أقوى مشاهد الفيلم. أخيراً، أشهد أنني خرجت بعد مشاهدته بشحنة توتر عالية.
مقال "صالح الغازي"
صحيفة القبس
24-25 يناير 2020
للمزيد: https://alqabas.com/article/5745167
تعليقات
إرسال تعليق