غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

تلك الأغنية الخالدة في ذاكرة التاريخ، لم يكن سرها فقط عبقرية لحن وصوت سيد درويش إنما سرها الأعمق في وعي ثاقب لكاتب الأغنية (بديع خيري) حين يتوقف بنا عند لحظة تاريخية فاصلة وهي إعلان الاحتلال انتهاء الحرب العالمية الأولى وبالتالي رصد تغير الأحوال للأفضل.
تناول الشاعر الحوار بين الفقهاء ليكشف تصورهم وطريقة تفكيرهم وآمالهم لأنفسهم ولبلادهم في هذا الواقع الجديد. الفقهاء هنا هم الفئة الوحيدة المتعلمة المثقفة من المصريين في بداية القرن الماضي حيث انتقلوا من ظلام الجهل إلى نور العلم والمعرفة ويميزهم الشاعر بخلطهم الألفاظ الفصيحة والأجنبية ليبين لنا ما تميزوا به من تقعر وسطحية ظهر في نطقهم (قساتذه –فينيشن – نرقع- قبدا – قلمظية ...الخ) وبمقارنة بسيطة واحلال بسيط للكلمات والألفاظ لن يختلف ذلك كثيرا عن الوضع الحالي!
وانتقل لطريقة التعبير (وأنا أبقى أحلق ذقني إن ماكنتش ترقص) فالرهان هنا على حلق الذقن رمز الفقهنة /الثقافة ، اذا لم يرقص وكأنه سيفقد الوعي من شدة الفرح فيتخلى عن ميزة الوقار المصطنعة التي رسمها !
ويرصد الشاعر بديع خيري تغير الحال بعد انتهاء الحرب والذي يبين عمق أحلام وطموحات التنويري في خمسة نقاط.
أولا : الطفاسة  فبعد الأكل النباتي والجاف يرقع  السمن (بعد أكل التسقية والسلطة والطعمية اللى بتهد الحيل- نرقع لنا اقتين ثلاثة سمن بلحم الخيل نرقع) يلجأ للطفاسة رغم أن  أزمة الغلاء مازالت مستمرة و لم تنتهي فيقول الشاعر في طفاستهم وقلة وعيهم(ومادام الضاني غالي وكذلُك العجالي/مش لازم ندقق/حِصاناً أو حمارآ او بغلاً مش راح نعتق قبداً) فهذا التنويري يرقص فرحا ً رغم أنه لن يأكل من اللحم إلا لحم الحمار!
ثانيا: التشفي في التجار الذين تعاملوا مع المحتل (ياما بكرة حنبقى نقلّس ع التجار لما تفلس/وزي مانتفلق/ يتفلقوا هما كمان واحنا نضحك هقهق) فلم يفكر في محاسبتهم أو مقاطعتهم ،إنما سيتشفي ويضحك ويغيظهم بينما هم تجار سيتغيرون تبعا لمصالحهم ولن يفرق معهم إن ضحك أو تشفى هذا البائس!
ثالثا: التغيير المظهري ومواكبة الموضا هو الوسيله التاليه لمواكبة التغير (يالا نقلوظوا العمة عل مودا ونستحمى/بصفيحة كالونيا)
رابعا : الهروب من البلد هو التالي في تفكير هذه الفئة ليس لإفادة بلادهم ولا للعلم انما لتغيير شكلي ومظهري ليليق بمن إنفتحت له طاقة التغيير لينقذ نفسه ويلبس الكاسكيت  (ونسافر على أوروپا نتفرج ع الدنيا/ سيبك م الفقهنة خالص من بكره هتبقى لابس بدل العمة كاسكيت)
خامسا: يتوقف الشاعر عند غاية الغايات في هدف الفقيه /التنويري
المتجسد في رغبته تغزله في نسوان أوروبا إما بإعتبارهن الألماظية أو المهلبية ليغيظ سيدات بلده كما يوضح تعبير إيش جاب وبتصوير نفسه أنه يسيح ويسخسخ ويتكهرب من جمالهن  (ستاتها قلماظية ماتقولش مهلبية/قبداً قبداً إيش جاب/قربت أسيح قربت أسخسخ قربت أتكهرب الحق).
كلما سمعت هذه الأغنية أقول أنا زعلان منك يا بديع ، صورت بسخرية مريرة حال وأحلام وسمات التنويري الذي كتب عليه أن يحمل لواء التغيير في مجتمعاتنا البائسة.


بديع خيري

ولنقرأ معاً الأغنية مرة أخرى قد يكون لأحدكم قراءة أخرى أكثر إنصافاً لبديع خيري أو للتنويري :
اقرأ ياشيخ قفاعة تلغراف اخري ساعة
اللى فى جورنال البورص ..
وأنا أبقى أحلق ذقني إن ماكنتش ترقص
ترقص ترقص ترقص
الصبح صبح قلسطة والعيشة هتبقى قشطة
ياقساتذة قولم هش
ياقساتذة قولوا براوة دي الحرب خلاص فينيش
فينيشٌن فينيشٌن فينيشٌن
بعد أكل التسقية والسلطة والطعمية
اللى بتهد الحيل
نرقع لنا اقتين ثلاثة سمن بلحم الخيل نرقع
نرقع نرقع نرقع
ومادام الضاني غالي وكذلُك العجالي
مش لازم ندقق
حِصاناً أو حمارآ او بغلاً مش راح نعتق قبداً
قبداً قبداً قبداً
ياما بكرة حنبقى نقلّس ع التجار لما تفلس
وزي مانتفلق
يتفلقوا هما كمان واحنا نضحك هقهق
هقهق هقهق هقهق
يالا نقلوظوا العمة عل مودا ونستحمى
بصفيحة كالونيا
ونسافر على اوروپا نتفرج ع الدنيا
دنيا دنيا دنيا
ستاتها قلماظية ماتقولش مهلبية
قبداً قبداً إيش جاب
قربت أسيح قربت أسخسخ قربت أتكهرب الحق
الحق الحق الحق
سيبك م الفقهنة خالص
 من بكره هتبقى لابس
 بدل العمة كاسكيت
ياسلام على بطة نطة حطة بطة نطتهن
على خفة نتفة خفة نتفة خفة نتفتهم
سيبك م الفقهنة خالص
 من بكره هتبقى لابس بدل العمة كاسكيت

نشر المقال في مصريات 
غربلة
بتاريخ




سيد درويش



مقال صالح الغازي
افرأ يا شيخ قفاعة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود