فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"
مصوراتي لايكفّ عن الكلام
![]() |
الشاعر والكاتب الكبير فريد أبو سعدة |
"شايف
يعني مش خايف" لصالح الغازي هو الديوان الرابع في تجربته في شعر العامية المصرية
يبدو صالح في هذا الديوان أكثر ثقة بخياراته
الجمالية ، فإذا توقفنا عند عناوين دواوينه السابقة "طالع نازل زى عصاية
كمنجة " و"الروح الطيبة" و "سلمو عليا وكأني بعيد" نجد
ما يشي برغبة الشاعر في تأسيس علاقة ود وتقرب مع مخاطِبه ، بينما في "شايف
يعني مش خايف" نستشعر الثقة والاعتداد بالذات إلى حد الاجتراء على المخالفة
وقول ما لا يعجب المخاطَب/ الآخر ، مؤكدا على ذلك في تصديره للديوان إذ يقول :
آدي دفتر الصياد
اللي يرضيني
اللي مايعجبكمش
وكما أعلن في التصدير أن المتكلم في هذا الدفتر/ الديوان هو الشاعر في قناع الصياد ، فقد
قسم الديوان / الدفتر إلى 5 محاور كل محور
يشتمل على عدة قصائد
-
قفص للحيوانات الصديقة
- تشبك فيا الصنارة
- حلم الحياة البرية والبراح
- الصيد الجائر
- فخ الوطن
ورغم أن قناع الصياد يشغل المحور الأول 7 قصائد ، إلا انه في باقي المحاور وقصائد
الديوان يعود ذاتا شعرية تتكلم بلا أقنعة
، ذاتا راغبة في الونس والفضفضة ، تقطرُ خبرتها وتقدم تجاربها إلى آخر ، وان ظل
يوهمنا بعناوينها أو بأسماء حيوانات ترد هنا وهناك في بعض القصائد انه هو هو
الصياد !
وعلى عكس الحساسية الجديدة ، والتي كان هو
نفسه واحدا من مريديها ، اى التحول من الشفاهية إلى الكتابية ، أو من الخطاب إلى
النص ، نجد الشاعر في هذا الديوان يوغل في الخطاب
وكأنه يريد رد الاعتبار إلى الشفاهية ، ويقول
لنا إنها لا تزال قادرة على التقاط الشعرية حتى من الكلام اليومي العادي ، وان
قدراتها لم تستنزف بعد
يظهر ذلك في اللغة ، فهو يستخدم لغة الحكي في
الحياة اليومية للمصريين، المختلطة بين فصحى وعامية وحتى انجليزية ، كما انه في
حكيه يستخدم مخيال الجماعة إلا في ما ندر
وتظهر أزمة هذا النوع من الشعر في كونه يُقرأ
، ولا يُسمع من المخِاطب ، وبالتالي فإن لغة جسدِ المخاطِب محذوفة ، لا يراها
بالطبع القارئ ، ولا يسمعها في وحدته أمام القصائد المكتوبة ، بينما لغة الجسد :
الحركة ، والإيماءة ، والنبرة ، والإشارة ، والإيقاع ، وحتى ملبس ، وشكل انفعال المنشد ، كل هذا كان من عناصر القصيدة في العصر
الشفاهي القديم عندما يقف الشاعر أمام جمهوره في الأسواق ـ كسوق عكاظ ـ أو أمام
أمير ما وجلسائه في قصر.
لغة الجسد في قصيدة الخطاب ضفيرة مهمة مع
ضفيرة اللغة المنطوقة ، و بهما معا يتم القول ، ويمتنع الالتباس أو الغموض ، إذ ترشحُ
للسامعِ التأويلَ الصحيح لمقصود الشاعر .
ورغم أن الديوان ، ديوان نثر إلا أن هاجس
التوقيع يطارد الشاعر ، الهاجس الذي جعل توقيعه لا يأخذ شكل التقفية ، بل يكون إلحاحا
في هيئة السجع ، لتحقيق منشودَة من اكساب القصيدة موسيقى ما ، كما نرى في قصيدة الغلاف وفي بعض
قصائد الديوان مثل "لعبة البالونة
والدبوس" ص 77 .
خطاب صالح يتميز بالعفوية والتدفق ، ودائما
ما يصور مشهدا ما ، قريبا من مخيلة المخاطَب، وقريبا من وعي الجماعة ، تقوده في
القصائد روح مداعبة ، وخفة وطلاقة حديثٍ بين صديقين حميمين ، وفي إطار هذه
التلقائية المرحة يستخدم كل ما في الروح المصرية من السخرية والتهكم ليقول بمكر
مصري ما يريد ، وينقل رؤاه وتجاربه ، وحكمته بلطف ، وكأنه لا يقصد إلا الفضفضة ، ومجرد
مشاركة مخاطِبَه في حديث ممتع لتقضية الوقت ليس إلا
انه في هذا الديوان غير مهتم بالقضايا الكبرى
، ولا بالمبارزات الأيديولوجية ، وان ألحت عليه اكتفى بإشارة عابرة تجعل المشهد
تفصيلا لها !
همومه هموم مواطن بسيط ، وهي في مجموعها
المتناثر في قصائد الديوان تصنع لوحة موزاييك لطيفة ومرحة ولكنها عميقة كالكوميديا
السوداء !
لا أعرف
لماذا في هذا الديوان انتبهت إلى التحديات التي تواجه قصيدة النثر العامية ، والتساؤل
عن الوجه الصحيح لتلقيها ، والجهد الذي يبذله الشاعر في جعلنا نتخيل أننا لا نقرأ
بل نشاهد ونسمع ، ومدى توفيقه في هذا المسعى .
بمنتهى الاحترام
سايبني أتكلم
مليت الدنيا كلام
وانت لطيف
فاتح لي باب الفضفضة
ومركز معايا ببراءة المُهتم.
من قصيدة "عيون
التعلب"
ـــــــــــــــــ
أظبُط الكاميرا على وشك،
وريني كده؟
أيوه
ماتبعدهمش
عاوز أعرفك
طب أعمل إيه؟
في كوكتيل البشر
اللى حبستهم في القفص؟
من قصيدة "مش أرنب"
ــــــــــــــــــــــــــــــ
"سيلفى مع راس القرد"
فاتح خياشيمك
وبتسحب بحماس
شد ياعم شد
صدرك قرب يفرقع
مع انك واجع دماغنا
بمواقفك المتوازنة
دلوقت
ماتلومش غير مناخيرك
اللى اتمطت
وراحت
تشم راس القرد.
هكذا يستخدم صالح النكتة الشائعة في السخرية من بعض النخب ، ويستخدم
عناوين مثل "حبك برص" و"
هاكونا مطاطا" وغيرها من مفردات وقفشات الكوميديا التي عممتها السينما ، راغبا
في التلطف في مخاطبة الآخر بما يشيع في الوعي الجمعي من سخرية المصريين ،
لقد صدقت عنوان الديوان "شايف يعني مش خايف" وصدقت تصديره
كما أوردته سابقا وبما فهمته من خلالهما ، صدقت أن صالح في هذا الديوان أكثر ثقة
وأكثر اعتدادا بتجربته ، وانه بعد نضجه على نيران ثلاثة دواوين ومجموعتين قصصيتين،
أصبحتْ تخوم تجربته أكثر وضوحا ، وأدرك أن هناك ما ينبغي اجتراحة واكتنازه لنفسه
وللغير .
-----------------------------------------------------------------------------------
مقال أ. فريد ابو سعدة بعنوان "مصوراتي لا يكف عن الكلام"
يتناول ديوان "شايف يعني مش خايف" للشاعر صالح الغازي
يتناول ديوان "شايف يعني مش خايف" للشاعر صالح الغازي
المقال في صحيفة القاهرة عدد ٨٩٨
عدد الثلاثاء ٣ أكتوبر٧ ٢٠١
عدد الثلاثاء ٣ أكتوبر٧ ٢٠١
![]() |
مقال أ. فريد ابو سعدة بعنوان "مصوراتي لا يكف عن الكلام" يتناول ديوان "شايف يعني مش خايف" للشاعر صالح الغازي |
![]() |
جانب من مناقشة ديوان شايف يعني مش خايف والتي ألقى ا.فريد أبو سعدة مقاله عن الديوان |
#شايف_يعني_مش_خايف
#صحيفة_القاهرة
#فريد_أبوسعدة
#عماد_الغزالي
#الهيئة_المصرية_العامة_للكتاب
#صالح_الغازي
#مقال
تعليقات
إرسال تعليق