الخداع في تسويق الفن (صالح الغازي)


لن أتوقّف عند تعريف محدد للفن، لأنه موضوع كبير، لكني أعتبر أن الفن لا بد أن يتوافر فيه القصد في إثارة المشاعر والعواطف، والإتيان بكل ما هو جديد، قدرة يمكن تنميتها بالممارسة والدراسة. وافترض أن تكون لدى الفنان مهارة يحكمها الذوق، وموهبة تجدد بالاتقان والصنعة، واسلوب فيه الخيال لإنتاج أشكال جمالية. والفنانون أنواع ودرجات، ولكنهم جميعاً ينتجون شكلاً خاصاً مميزاً، وهنا الشكل الخاص هو الابداع المقصود الذي يختلف بالضرورة عن أي منتج لا يقصد إثارة استجابة جمالية للعلاقات بين المساحات والأبعاد والكتل والألوان. تناقلت الصحف، وانتشرت فيديوهات لطفلة لم تتجاوز العامين، ممسكة بفرشاة رسم، أطول منها، ترسم لوحات باستخدام طلاء أسود، بمساعدة رسام اكتشفها خلال أمسية، تناول فيها العشاء مع والدتها، حيث لاحظ أنها تقوم بتلوين اللوحات، ما دفعه الى إمدادها بعلب الألوان التي يستخدمها هو شخصياً في رسوماته. ونظَّم معرضين للأعمال الفنية التي رسمتها، وصرّح بأن لوحاتها التي عُرضت في المعرض الأول بيعت اللوحة الواحدة بمقابل يتراوح بين 300، 1800 دولار، وتلك الأعمال لقيت إقبالاً كبيراً، لدرجة أن الزوار كانوا يشترون أربع لوحات في وقت واحد. الموضوع طبعاً جدير بالتوقف عنده، خاصة أن ما تنتجه هذه الطفلة هو بقع عشوائية بعيدة عن أي قصد. لكن جرى صنع قصة تسويقية ورسمت خطة فيها من الدعاية أكثر ما فيها من أي ابداع أو استفادة انسانية أو ابداعية.. فهل الموضوع يتوقف على التسويق بصرف النظر عن القيمة؟ هنا في أدق الفنون جمالا، تصير طفلة غير مدركة لما تفعله موضة جديدة أو هَبة (بفتح الهاء) فيقتني لوحاتها هؤلاء الباحثون عن أي شيء يتباهون به. أشير الى أن المفكر هربرت ريد، الفيلسوف الانكليزي الشهير، ساهم في تنوير الانسانية بمجموعة كتب عن الفن يفتح المجال لفهم حقيقي عن معناه وجدواه وحقيقته وتعريفه، منها «الفن والمجتمع»، و«معنى الفن»، و«الفن والصناعة»، و«النحت الحديث»، كلها تحاول فك أزمة الانسان المعاصر وحمايته من الخداع والوقوع في الجهل. هذا المثال يبيّن انه اذا تدخّلت شطارة المسوق في مجال ما أفسدت معناه وافسدت جدواه، فهو ببساطة استغل التعاطف مع الطفلة من ناحية، واستغل بعض افكار المدارس الفنية التي وجدت رواجا مثل التجريدية والغرافيتي، واستغل انه هو أصلا رسام، هو سوق في الغالب للقبح وربح المال.
الخداع في تسويق الفن
مقال:صالح الغازي
في صحيفة القبس 
الجمعة ٧ يونيو ٢٠١٩
#من_شباك_الباص

____________________________

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود