مقال أ. فريد أبو سعده عن ديوان صالح الغازي ( سلموا عليا وكأنى بعيد)
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
هناك مواضيع شعرية بذاتها، أوتواضع الشعراء من جهة ، والقراء من جهة اخرى على كونها أصبحت كذلك !! هى فى الغالب مواضيع تتوازى او تتقاطع مع القضايا الكبرى، أو ما كنا نسميه بالهمّ العام ، وعندما بدأ شعراء ما بعد السبعينات فى كتابة الهامشى ، أوتجلية البطل الذى لاشأن له ، أو كشف المستور واجتراح المسكوت عنه ، فعلوا ذلك مستندين الى ما اعتقدوا انه يخصهم ، أو يميزهم عن غيرهم وهو الابتعاد عن الافكار الكبرى ، مؤثرين البحث عن جماليات لصيقة بالمتعة وتتنصل من الرؤى والأفكار !وديوان ” سلموا عليَّا وكأني بعيد” الصادر مؤخرا عن دار العين ، هو الديوان الثالث للشاعر حيث صدر له من قبل ديوانه الأول نازل طالع زى عصاية كمنجة 1997 والديوان الثاني – الروح الطيبة 2008 عن دار ايزيسيقدم صالح تجربة في استئناس المزهود فيه ، أوالمتروك بوهم كونه غير شعرى ، أو لا يَعِدُ باستخراج شعر منه ! ، وهى كتابة جديدة ، لا تنشغل بالقضايا الكبيرة ـ خصوصا الطرق التى كان يتم التعامل بها مع هذه الأفكارـ إنها مهمومة بـ(هنا والآن )، من خلال كائن هامشى ضاجٍّ برفض الواقع بما هو عليه ، دون قدرة أو أمل في تغييره ، حيث يكون الخلو من الأفكار فكرٌ فى حد ذاته !صالح الغازى من شعراء التسعينيات ، يكتب قصيدة النثر العامية الجديدة ، بلغة خبرية مدينية رائقة، فصحى تنحو إلى العامية باهمالها الحركة الاعرابية وتسكين الأواخر، وتأخذ ببعض أدوات العامية الخاصة مثل أداة النفى (مش) ،(الشين) كما فى مافيش- مارضيش- مالقاش أو أداة الوصل العامية (اللى) بمعنى(الذى / التى) أو دخول حروف الجر على الفعل بتصلح – بتتكسر- بيرسمها ، أواستبدال الحروف مثل تحول السين إلى حاء (ح أطلع) ألخ .
هناك مواضيع شعرية بذاتها، أوتواضع الشعراء من جهة ، والقراء من جهة اخرى على كونها أصبحت كذلك !!
يقول من ديوان الروح الطيبة :السواق المكفي على الدركسيون بيدندن مع أغنية الراديو/ وأنا جانبه / باصص للطريق الضلمة المصفوف بالشجر/ عربيات الطريق المعاكس / نورها العالى ضارب فى عين السواق / مافيش غير الشباك / وراه تقدر تشوف حاجات بتحاول تتحرك / المرايه بتعكس وشوش ناس ورايا / منها متدلدل سبحه فسفور/ بتتمرجح / تتمرجح / يوم أدوَّر على شغل / يوم أدوَّر على شقة / أحاول أوصَّل صابع رجلي الكبير لراسي / و إيديا تعد النجوم اللى بتظهر و تنطفي فى صدري.النهاردة أنت مع مين؟ / ضد مين؟ / الست بتتخانق مع العربيات بحكمة شعرها الأبيض / وبحنيِّه واخده جوزها تحت جناحها وبتعدِّى الشارع.لكل واحد الروح الطيبة /
اللى مابتتعاملش معاه على إنه لوحة نشان / كيس الشيبسى…! / حجز لى روحى الطيبة / ومارضيش يترمى على الأرض/ طار / قعد فوق عمود النور/ حط رجل على رجل /
ح اطلع للعمود اللّى قُصاده / .
شايل معايا زمزميه متعبِّى فيها حكمتى المكبوته / أسلِّى نفسى بتصليح عدسة نضارتى/ اللى بتتكسر قدام المواقف المستحيلة / وأعمل مقص كبير وقلب جامد /عشان أتخلّص من أي أسلاك شايكه / تُقف في الطريق.
الشاعر يرصد ما حوله بعين ناقدة، ويقدم مشاهدة دون اتكاء على البلاغة القديمة ، انه يقدم قصيدة نثرية بالتفارق مع غواية السرد، وذلك بالكثافة والبوح ، والتقاط الشاذ والنادر والمزهود فيه ، قاصدا إلى تنقية النثار المتكاثر في الحياة اليومية، واعادة تكوين مشهده الشعرى، وهو إذ يفعل ذلك يدهشنا بلمسات من الفانتازيا ، والتعبيرات التى تخدش الذاكرة بجدتها مثل(مابتتعاملش معاه على إنه لوحة نشان)يقدم صالح عبر أداة التشبيه (زى) تشبيهات بالغة الجدة وكأنه يعيد الاعتبار للتشبيه بعد ان توارى طويلا خلف الاستعارات في مرحلة ، وخلف الكناية والتورية فى المرحلة الأخيرة :السما ماتبتسمش زى أم لرضيعها .ناعمة زى ملمس الدم .ضحكتك مجننانى . تحزم السما زى قوس قزح . وترقصها .
وتبقى قصيدة سلموا عليا وكأني بعيد قادرة على قرض الذاكرة ، شجن أسيف اسيان لمهزوم يتقنع بالكبرياء ، كمن يخفى دموعه بقهقهة عالية
كما يستخدم بحذق ما يمكن تسميته بالقول الشعرى، أو ما يعرف عند القدماء بالتوقيعات ، وهى قصائد مختزلة ذات بعد إيمائى، يعتمدعلى الاشارة والاضمار، ولاتتجاوزالقصيدة أركان جملة اسمية بالغة التكثيف يقول :اليوم قد فركة كعب .البيوت ريحة نوم .والليل هدوء طويل .قانون السوق الكف والقفا .الطبيعة بنت الغيطان .والسحر روح الصحرا .أما المدن بلياتشو .الأرض منديل السما .هى اكتشافىواختيارها أنا .
فى الديوان ـ ربما بدرجة أكبر من ديواني صالح الغازى السابقين ـ روح رومانتيكية ، تتنفس فى قصائده : لسه الأمل في المحبة يقدر يشاء ، أسعد الأوقات ، أزهى ألوان فرحتىوربما تحت وطأة المحبة لم يتمكن شاعرنا الجميل من تنقية قصائده مما شاب القليل منها من نثرية خالصة كما في قصيدة “مودة”وتبقى قصيدة سلموا عليا وكأني بعيد قادرة على قرض الذاكرة ، شجن أسيف اسيان لمهزوم يتقنع بالكبرياء ، كمن يخفى دموعه بقهقهة عاليةأشحت يوم إضافيعشان أثبت وجودي من جديد ..ناقص أمسك سنارة واصطاد الاستحسانبقيت باخرج من مداريوأمشى هنا جنب الناسوكأني منهمسلموا عليا وكأنى بعيدمدوا الأيادي .الديوان مجموعة شعرية ، تتوزع قصائدها على حوالى 13 محور، من بينها محورعن ثورة 25 من يناير .وهو خطوة أخرى، فى المشروع الشعرى لصالح الغازى، يحفزنا ويملأنا بالفضول لترقب القادم من أعماله .
-------------
مقال الناقد والشاعر الكبير ا. فريد أبو سعده
نشر المقال في مجلة مصر المحروسة القاهرة 11 يونيو 2012 م
وعلي اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=kUyW-LOGdWM
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق