حوار مع صحيفة العرب القطرية
صالح الغازي شاعر وكاتب مصري، عضو اتحاد
كتاب مصر، وكان لـ «العرب» معه الحوار التالي:
كيف ترى المشهد الثقافي في مصر الآن؟
النظام السابق نحى دور المثقف إلى حد بعيد
بوسائل مختلفة ومعلومة، لكن بقي المشهد الثقافي المصري هو الأبرز والأهم في المنطقة
سواء بالفعاليات أو بالإنتاج الفكري أو بوعي المثقف واستيعابه للآخر، فالإبداع متوهج
دائماً بطبيعة التكوين الحضاري والمزيج الثقافي، وظهرت إبداعات محفزة للثورة مثل أشعار
نجم ومساندات من دور نشر مثل ميريت ونشاط مثقفين في حركات كفاية و6 أبريل والتغيير
وغيرها، أما عن الحال الآن بعد أكثر من عام على الثورة فنجد أنفسنا في مرحلة شديدة
التعقيد، وأعتقد أن الاختبار الأصعب للمثقف الآن، فمثلا من تفاعلي مع الأصدقاء في الوسط
الأدبي أجد تباينا في المواقف وفي زوايا الرؤية. إن مجتمعنا يمر بتجربة قاسية ابتداء
من مرور أكثر من عام على الثورة دون أن يتحقق ما قامت من أجله، انتهاء إلى اختيار أوقعتنا
فيه الأقدار بين مرشحين اختيار أحدهما أقسى ما يكون على الوطنية المصرية.
ما رأيك في التغيرات التي تحدث في مصر الآن
سياسياً وثقافياً؟
سياسيا: الثورة أغلقت أي فكرة لليأس، ومصر
ليست بلداً صغيراً لذلك أمامنا سنوات نحتاجها لترتيب الأوضاع، وما حدث من انتخاب رئيس
شرعي وفق قواعد متفق عليها من الجميع مؤشر على إرادة شعبية قادرة على تحريك الأمور،
وهناك وعود قطعها الرئيس وبرنامج انتخابي ألزم نفسه بتحقيقه ليكون هو الفيصل خاصة أنه
سعى إلى الانفراد بالسلطة بعد استبعاد سلطة المجلس العسكري، ويزعجني أن ننشغل الآن
بقضايا لم تكن مطروحة من قبل مثل انقطاع الكهرباء والنظافة والمياه.. إلخ، كلها مشكلات
لم تكن أبداً كارثية فهل يصنع لنا النظام الجديد مشكلات جديدة يقدر على حلها أم أنه
يفشل في حل أبسط المشكلات؟ وأرى أن الهم الأساس أن يتفق أهل المحروسة على دستور ليبرالي
يليق بمكانتها وأن يبدأ الرئيس في حل مشكلات السكن والبطالة، وأعتقد أن هذه الحماسة
الشعبية والثورية يجب استغلالها بعمل مشروع يستوعب طاقتنا على غرار مشروع مثل السد
العالي وقناة السويس.أما ثقافيا فالثورة خرجت شعبية وليست نخبوية، وحان الآن الدور
الثقافي وهناك مؤشرات ومواجهات ليست جيدة. لكن الطليعية الآن تعني تبني قضايا المجتمع
وهمومه من ناحية وتوعيته من الناحية الأخرى، وهناك بارقة أمل لمحتها في وقفة المثقفين
عن حرية التعبير في ميدان طلعت حرب، قد تكون نواة لتكتل أكبر.
هل سيكون هناك صدام بين المثقفين والسلطة؟
فكرة الصدام بين المثقف والسلطة البعض يرونها
واجبة لكني أرى الآن الأهم هو نزول المثقف إلى الشارع بهدف صياغة العقد الاجتماعي للفترة
القادمة بين الشارع والسلطة والمراقبة الفعالة للأداء العام والسعي لتعديل المسارات
بالرؤى والتوصيف الصحيح لما يحدث الآن، صدام السلطة مع المثقف يتراوح ما بين ضربات
وقائية وجس نبض مثل استبعاد اتحاد الكتاب من لجنة إعداد الدستور يبدو أنه مؤشر على
عدم فاعليته! كما تم تشكيل لجنة ووضع شروط وتم تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية الجدد
مع عدم وجود مراجعة فعالة من مجلس نقابة الصحافيين لنجد أن ردود الأفعال تحدث بعد التعين
الفعلي! كذلك منع المقالات لكتاب كبار وإيقاف بعض الصحافيين والصحف والقنوات.. سواء
اتفقنا معها أو اختلفنا كلها اختبارات حقيقية لدور المثقف وعامة لم يكن متصوراً أن
يسعى الحزب الحاكم إلى الصدام مع الصحافة والإعلام بهذه السرعة فهل هي قلة خبرة أم
سعي إلى الحسم بإغلاق كل الأبواب والأفكار فيما عدا فكر الحزب؟ هذه كلها أسئلة ومواقف
ستحسم في الأيام القليلة القادمة.
أيهما بدأت الكتابة به، الشعر أم القصة؟
بدأت كتابة الشعر وكنت أجمع ما أكتبه في
دفاتر أتخلص من القديم فور بدايتي بالجديد، حتى أصدرت أول دواويني 1997م بعنوان «نازل
طالع زي عصاية كمنجة» في طبعة خاصة ومحدودة. أما القصة فكنت كلما مرت عليّ حكاية أو
موقف دونته بما يشبه القصة، وحينما سافرت إلى السعودية حيث لم يتح نشر أعمالي الشعرية
لأنها مكتوبة بالعامية المصرية، فبدأت الحضور بنشر قصصي في الصحف والمجلات السعودية
وأعدت كتابة بعض ما دونته قديما وزدت عليه قصصاً جديدة في أول مجموعة قصص صدرت عام
2008 بعنوان «تلبس الجينز» عن دار الكفاح للنشر.
حدثنا عن تجاربك الأدبية.- صدر لي حتى الآن
ثلاثة دواوين شعرية، وهناك أشعار كثيرة لم أجمعها، فأنا في مونولوج دائم بيني وبين
نفسي، فالشعر هو سري العميق بلا وصفة ولا قيد، إنه الأداة العليا في التعبير، هو ترجمان
العزلة وروح النفس، وشعري أكتبه بالعامية المصرية كنز النيل والأهرام وخبرة الحياة
والوعي، ففي العامية المصرية مخزون تعبيري وصوتي وثقافي ومزيج من ثقافات ليس لها مثيل.ومثلاً
عن تجربتي الشعرية الأولى ديوان «نازل طالع زي عصاية كمنجة» ففيه مساحات كبيرة من براءة
القلق والتأمل في البطولة والمجتمع والعلاقات فمن قصيدتي «الحجر الواحد بيداري كتير
“:
ممسوس بيهم
كل واحد حاني ضهره
ضامم حجر بين إيده
ماشيين زي سلاحف».
وأتذكر ما قاله الشاعر الراحل مجدي الجابري
في ندوة مناقشة هذا الديوان في معرض القاهرة للكتاب عام 1998 قال «صالح الغازي نازل
طالع زي عصاية كمنجة (زي) أداة تشبيه تجعل أمامي صورتين وصوتين، صورة نزول وطلوع الشاعر
في مواجهة صورة نزول وطلوع عصاية الكمنجة صورة قول كتابة الشعر في مقابل المعزوفة.
و أما تجربتي الشعرية الثانية فكانت ديوان «الروح الطيبة» الذي حاولت فيه أن أقترب
من عمق ذلك الجوهر البسيط الخالد الذي لا يتجزأ ولا يتحلل، وعن مشاعر القرب مع حبيب
لا يطمع في استغلالك في قصيدة «الروح الطيبة»:
لكل واحد الروح الطيبة
اللي بتتعاملش معاه على إنه لوحة نشان
” ممكن تكون قدام العين الطيبة مستنية تفتح.
وماذا عن تجربتك القصصية ؟
– القصة تتيح لي تتبع أثر الحالة والفكرة
في شكل مختلف من الحكي أدخل به إلى عمق إنساني مختلف، فكانت مجموعتي الأولى «تلبس الجينز»
الصادرة عن دار الكفاح للنشر والتوزيع بالدمام، فمثلا قصة نزيه المسكين الذي يعمل عند
تاجر متسلط، وقصة تلبس الجينز عن السيدة التي انتهى طموحها عند قضاء وقتها في تنظيف
البيت ومنتظرة عودة زوجها المجهد .وقال الناقد عبدالحفيظ الشمري عن تلك المجموعة «تتمتع
قصص هذه المجموعة بنفس سردي قصير يؤصل لفكرة القصة الحديثة، حيث يبرع الكاتب الغازي
في أن يستدرج أكبر وأعمق حكاية إنسانية إلى حيز صغير ومحدد من السرد من أجل أن يحقق
شرطية القصة الحديثة”.مجموعتك القصصية الأخيرة «الرقة.. البنات فقط» من الملاحظ أنها
تمثل تجارب حياتية صعبة، فأوضح ذلك؟
– إنها عن محن وتجارب صعبة وتفاصيل قهر
قد يتعرض لها الإنسان فتكون مصدر آلامه ومعاناته، وقف رجلان وثلاث نساء على مدى قصص
وحالات وحكايات والتقاطات تحمل هذا الهم، مثلاً نجد في قصة رغبة الرجل في الاستحواذ
على بناته وزوجته وتناقض الرجل في هذا الموضوع وقصة «تلاتة يوم ما في نوم» عن قهر الأنثى
للأنثى في العلاقة الملتبسة للمرأة مع خادمتها الفلبينية وقهرها خوفاً من أن تغوي زوجها
أو يغويها زوجها، وفي قصة انتخاب طبيعي عن المؤامرة الكبيرة ليظهر لك كل شيء على يرام،
بينما الخدعة تتم بنعومة والرقة البنات فقط صدرت بداية 2012 عن دار ميريت للنشر بالقاهرة.
ديوانك الأخير «سلموا عليا وكأني بعيد»
يميل إلى أدب الاغتراب فحدثنا عن ذلك..
في ذلك الديوان بعض القصائد تميل إلى أدب
الاغتراب وقد رأى بعض النقاد ذلك، وعموما فالنصف الأول من الديوان كله مكتوب وأنا خارج
مصر، لكن حتى وأنا في مصر كانت الأزمة الكبرى في الأعوام السابقة كنا جميعاً في حالة
اغتراب واضحة وقاتلة وكما يقال «البلد ما كانتش بلدنا».
ما الذي تأثرت به وكان له دور في مسيرتك
الأدبية؟- هناك تأثيرات كثيرة يصعب الإحصاء قد تصل إلى مثل شعبي أو موقف بسيط، والتأثيرات
منها الخاص مثلاً دراستي الأولى في مدرسة الفرير القديس أغسطينوس التي أضفت علي مشاعر
الود والمحبة واستيعاب الآخر، وأيضا هناك زياراتي للحقول مع الأقارب والتجول بين المزارع
وحضور مواسم الحصاد وسماع السير والقصص في الأفراح فكانت تؤثر في رؤيتي كثيراً.و من
المواقف المؤثرة مثلا قرأت تحقيقاً صحافياً في أوائل التسعينيات عن حياة الرئيس الراحل
محمد نجيب في المعتقل وأثر فيّ كثيرا شعوره بغدر البشر. كما تأثرت بغزو العراق كذلك
تأثرت بلا شك بالظروف الاجتماعية والسياسية القاسية التي وقعت على مصر في الثلاثين
عاما السابقة.ومن ملامح المبدعين المؤثرين: حدة الفكر عند يوسف شاهين وإعادة قراءة
التراث عند أمل دنقل وعمق المأساة عند نجيب سرور وملائكية فيروز وصدق محمد منير وشفافية
جبران ورصانة حداد وبساطة جاهين وخفة بيرم.. كذلك مسرحيات شكسبير وروايات محفوظ وغيرها.
وعموماً كنت سابقاً أتأثر بأشياء كاملة فآخذ مواقف كبرى لكن فيما بعد تغير ذلك وأصبحت
أبحث عمّا أريده وأفكر فيه بشكل أدق فقد يكون تأثري بمقطع موسيقي أو جزء من قصيدة أو
ملمح في رواية… إلخ.
كيف تنظر إلى المجتمع؟
أعيش فيه بكل جهدي، فحينما أمشي في الشارع
أشعر بأني مأخوذ بالأشخاص والمواقف والأماكن، أفكر في هموم هذا الرجل ومشاعر هذا الطفل،
أحيانا أبحث عن نفسي فيهم أو أبحث عنهم في نفسي لكني دائما أقدر للجميع حياته، أحوم
حول هذه المعاني والأحوال والمواقف حتى أثبت في عمقها وأتناولها بأكبر قدر من البساطة.
ماذا ستقدم قريباً؟
انتهيت من كتابة مقالات عن الدراما بين
الجرأة والفن تنشر مسلسلة في صحيفة البديل. لكني كلما خلوت لنفسي هذه الأيام غنيت لكسر
حالة الوحدة وأفكر أن أنشر ديواناً فقط للأغاني، لو راجعت كتاباتي النثرية فستجد بعض
الجمل المحملة بالإيقاع ستجدها كلها ساخرة أو معبأة بالحزن. وعموماً أنا لا أسعى إلى
الركوب على إيقاع ولا أطمع في شغل مخيلتي بالفوارق بين التشابه والاختلاف لأستخلص تشبيهاً
جديداً تلك الأفكار البدائية القاتلة للمبدع، إنني أسعى فيما أقدمه إلى أن أضع «الحالة/الموقف»
بوعيي أمامك.
.
الحوار أجراه ا. ايهاب مسعد
صحيفة العرب القطرية
نشر السبت 8-9-2012
علي الرابط
#صالح_الغازي
#الرقة_للبنات_فقط
تعليقات
إرسال تعليق