حوار مع الشاعر صالح الغازي في جريدة السياسة الكويتيه
الشعر محور الابداع والعامية المصرية لديها
القدرة على استيعاب كل المتغيرات
أخاطب مجتمعاً مركباً مثل تنين خرافي لا
نقوى على مجابهته إلا بالأمل
المرأة ليست قضية في حد ذاتها إنما المشكلة
في علاقتها مع الرجل
_____________________________________________
دواوينه وقصصه, تدور في فلك معاناة الانسان
في مواجهة التسلط والقهر, سواء في وطنه أو في غربته, والمشاعر الانسانية وكذلك العلاقة
بين الرجل والمرأة, تكاد تكون هي البطل في كل أعماله, انه الشاعر والروائي صالح الغازي
الذي صدرت له اعمال عدة منها, المجموعة القصصية “الرقة للبنات فقط” وديوان “سلموا عليا
وكأنني بعيد”, معه كان ل¯ “السياسة” هذا الحوار:
يرى البعض, أن النشأة دائما ما تكون صاحبة
الدور الأكبر في صناعة المبدعين, فهل هذا ينطبق عليك?
نعم, فقد كانت بدايات القراءة في مكتبة
والدي محمد صالح الغازي, بمثابة النافذة التي أتاحت لي الغوص في بحور الكتب التاريخية,
وأتذكر منها, كتب مصر الفرعونية والأيوبية والمماليك وعصر محمد علي وأوروبا الحديثة,
الخ, ولأن والدي كان دارساً للتاريخ فقد كان يطلب مني وأنا في المرحلة الاعدادية أن
أكتب ما فهمته وكنت أفعل, ونالت كتاباتي استحسانه, ثم تعددت بعد ذلك القراءات وأحببت
الشعر والقصص والروايات والمسرح وحرصت على مواكبة الكتاب المعاصرين, وفي الثانوية كنت
أجمع ما أكتبه في كراسات وأقرأ لأصدقائي ثم في الندوات والمؤتمرات, وكلما بدأت في كراسة
جديدة كنت أمزق القديمة حتى كان ديواني الأول “نازل طالع زي عصاية كمنجة” سنة
1997, والذي طبعته على نفقة والدي لأنه كان مؤمنا بموهبتي. وقد كان هذا الديوان عبارة
عن نصوص نثرية, وتصدَرت بدايته كلمات تكشف عن الكثير من بداياتي حيث كانت تقول: الخيوط
شايطة, جاي وقت تتحل بطريقة ما حدش فكر فيها, والمهزلة تنتهي زي حلم, لكن ده ح يحصل
بعد, وبعد, وجع قلب.
لماذا هذه الرؤية التشاؤمية?
لأنني هكذا كنت, ووقتها بالفعل لم أجد أي
خيوط أمامي, غير أنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الوضع العام أدبياً كان أو سياسياً
سيتغير يوماً ما سواء بالنسبة لي أو عموماً, لكن سيحدث هذا بعد خراب مالطة كما يقولون,
حتى انني عندما قلت ذلك, ذات مرة أثناء شهادتي في مؤتمر أدبي وقتها, قال لي أحد الأدباء
انني أمتلك وعياً يجب أن أتنازل عن نصفه كي أعيش, ومنذ بدأت وأنا أنشغل بأن أُجرِب
وأخلص في التجريب, هذا هو اجتهادي منذ بدأت الكتابة.
العلاقة النفسية
في مجموعتك “الرقة البنات فقط”, هل تحاول
مناقشة العلاقة النفسية بين الرجل والمرأة أم العلاقة الزوجية من الجانب النفسي?
العلاقة بين الرجل والمرأة موجودة في الكثير
من قصص هذه المجموعة مثل “الرقة”, و”رجلان وثلاث نساء”, و”أزمة عائلية” و”زوجة موظف”
وهي علاقة مهمة تستحق البحث والدراسة, لكنني لم أقصد تحليلاً نفسياً بالمعنى العلمي,
لأن المجموعة تحمل الكثير من صور العلاقة بين الرجل والمرأة, والعلاقات الانسانية بوجه
عام, فقط أقف عند حالة وعلاقة تستحق التأمل.
هل تعد المجموعة دفاعا عن المرأة وقضاياها?
ارى أن المرأة ليست قضية في حد ذاتها, انما
المشكلة في العلاقة نفسها, فمثلاً الرجل يحب المرأة بجنون ويتمناها ويتغزل في جمالها,
لكن وقت التعامل معها يكون متحفظاً وقاسياً أحياناً, ويريدها ألا تظهر لأحد وفي نفس
الوقت يتلصص عليها ويتحرش بها, انها قضية المجتمع بشكل عام وأُفضل تسميتها مشكلات الرجل,
وأقصى ما تفعله المرأة أنها تشعره أنه لا يستطيع أن يصرف عليها فيتحول الموضوع لمشاجرات
عن المسؤولية, الخ, لذلك أرى أن الحياة الزوجية أوقع لها أن يتشارك الزوجان في المشاعر
والطموح والوعي, أكثر مما تتوقف على تقاسم المسؤولية والأعباء.
ماذا تمثل المرأة لك?
المرأة أجمل مافي الحياة وأعمقه, والقادرة
على التغيير, والأقوى في الحياة, ولا اخفي سرا أن قلت بأن زوجتي بالنسبة لي هي ملهمتي
لنصف أشعاري وصديقتي, والطهر والصدق, وهي اتزاني ومؤشر حياتي وروحي الطيبة, والسبب
في كل تغيير في حياتي, وقبلها بالطبع والدتي التي تمثل لي العطاء بلا حدود, ونكران
الذات والحنان والسبب في وجودي.
مشاعر المرأة
هل ينجح الرجل في التعبير عن مشاعر المرأة
في أعماله الأدبية أم تظل المرأة هي الأقدر على التعبير عن نفسها?
أغلب الأدباء تناولون مشاعر المرأة, وهناك
نماذج لمبدعين ومبدعات مثل الطاهر بن جلون, نزار قباني, احسان عبدالقدوس, نعمات البحيري,
آسيا جبار, أحلام مستغانمي وغيرهم ممن تحدث عن المرأة ومشاعرها وأحلامها, لكن كل ما
يتطلبه الأمر هو الوعي, لأنه لا تمييز في الابداع والفن, بين رجل وامرأة, كذلك يتطلب
التعبير عن المشاعر الانسانية الصادقة, ويحدث ذلك بقدر الاخلاص للابداع والخبرة في
الحياة والكتابة.
لماذا تعاني كل شخصيات المجموعة من حالة
نفسية?
لأن في أغلب القصص هناك محنة ما تسيطر على
الشخصية, لذلك صدرت الكتاب بعبارة: “الى من يبصر ما يدور, لابد أن أفكر فيه, وأشكره
على مشاركتي التجربة الصعبة, والى الأمل في التغيير”, انني أخاطب مجتمعاً مركباً وظروفاً
مجهدة مثل تنين خرافي لا نقوى على مجابهته الا بالأمل.
الخوف من الجمال
احدى قصص مجموعتك تعرضت لأوضاع العمالة
الآسيوية في الخليج, فهل كنت تقصد ذلك بشكل مباشر, أم كان هناك هدف آخر من التناول?
كان هدفي طرح قضية الخوف من الجمال, والعمل
على اقصائه من الحياة وقهره, وذلك من خلال الجمال الذي تحمله الخادمة الفلبينية فيما
يعرف عنهن من جمال, وفيما يشاع عن حلم الكثير من الرجال في امتلاك خادمة فلبينية, كما
تبرز القصة قسوة الأنثى على الأنثى وهذا وجه آخر لكيفية تناول المرأة فهى لا تعاني
بسبب من حولها, بل تصبح هي سبب معاناة من حولها في أحيان كثيرة.
لكن المجموعة تكاد تقتصر على مناقشة العلاقة
النفسية بين الرجل والمرأة?
الحياة عبارة عن رجل وامرأة, ولا يشغلني
التصنيف لكن القصص الأخيرة مثل”حفل على أعصاب أمير” و”ابن عصر الأقنعة” تبتعد عن هذه
العلاقة وتقترب من المحنة والتسلط والقهر, وأعتقد أن عنوان الكتاب قد يكون السبب في
هذا الايحاء, كما أنني مع استعمال الشخصيات كرموز لها دلالات مختلفة.
تأثير الغربة
للغربة تأثير كبير على كتابتك للمجموعة
اليس كذلك?
بالتأكيد هناك أناس في الغربة فقدوا الود
والتعاطف الانساني وهناك من صاروا ضعفاء أكثر من اللازم, انها غربة الانسان عن المشاعر,
ولأنني أعيش الغربة بالفعل لا أعرف هل ظهر واضحاً في القصص أم لا لكنني تناولتها في
قصة واحدة هي “حفل على أعصاب أمير”, متأملاً استغلال البعض لمشكلة بسيطة تحدث لشخص
طيب فيستلذون بتخويفه والتلاعب بأعصابه, بينما لو حدثت له وسط أهله قد تكون مشكلة تافهة
أو قد لا تحدث.
ماذا تريد أن تقول للقارئ من خلال المجموعة?
كل ما أردته قلته وكتبته, فالقصص بسيطة
بعيداً عن التكنيكات المجهدة لكنني أنشد أن نسعى للتغيير ونتعاطف أكثر مع بعضنا بعضاً
للمرور من التجربة الصعبة.
الشعر والقصص القصيرة أيهما أقرب اليك ولماذا?
كتبت الشعر والقصة القصيرة والمقال, ولكل
نوع أدبي أدواته ومساحته التي يعطيها لي, كذلك لكل صنف مزاجه, أما عن الشعر فأنا أقيم
مونولوجاً دائماً به بيني وبين نفسي, وأكتبه بالعامية المصرية التي أعتبرها كنزاً من
كنوز مصر, فاللغة جزء من الطبيعة والصوت جزء من المعنى وقيمته التعبيرية, والعامية
المصرية لديها القدرة على استيعاب كل تلك المتغيرات, لذلك سيظل الشعر في فتنته محور
الابداع, فها نحن نسمع الموسيقى ونقول جميلة كالشعر ونجد الرواية جميلة ولغتها شاعرية,
والقصة تحمل تكثيفاً شعرياً.
ماذا تقصد من ديوانك “سلموا عليا وكأني
بعيد”?
هو ديواني الثالث وفيه الكثير من تجربة
الاغتراب, لذلك أهديته “الى مكان يسع القدم والأحلام”, وهو قسمان, الأول عن تجربة الاغتراب
ثم الغربة وفيه مشاعري تجاه الوطن, وتبدو فيه ظلال الأحداث في مصر خلال العامين الأخيرين,
والثاني عن أسعد الأوقات, وقد أردت أن أقول فيه ان الأمل في الحب والحياة مازال قائما,
رغم شعوري الكبير الذي يشغلني هذه الأيام بأن القارب يهتز بشدة.
حوار مع صالح الغازي بجريدة السياسة الكويتيه
الحوار اجراه الاستاذ عبد الفتاح الزغبي
عدد الاربعاء 25-7-2012
#صالح_الغازي #الرقة_للبنات_فقط #سلموا_علياوكأنى_بعيد
#صالح_الغازي #الرقة_للبنات_فقط
تعليقات
إرسال تعليق