رقة أم قسوة ؟ قراءة في مجموعة«الرقة» مقال حمد الرشيدي نشر في جريدة اليوم السعودية



(الرقة) مجموعة قصصية للكاتب المصري صالح الغازي، صادرة حديثا عن (دار الكفاح) للنشر والتوزيع بالدمام للعام الحالي 1435هـ – 2014م.
تأتي هذه المجموعة بعنوانها (الرقيق)؛ ليعكس لنا التعامل المفترض والذي ينبغي أن يكون مع (المرأة) وأنوثتها وتكوينها الطبيعي والنفسي والعاطفي والسلوكي كنصف آخر مكمل للرجل، وخاصة في مجتمعنا الشرقي الذي يؤمن بأن (ثنائية الرجل والمرأة) أمر حتمي، لا تتم الحياة بدونه، ولا يكتمل بناء المجتمع ونموه وتطوره إلا به.
ومع أن تصميم غلاف المجموعة قد جاء مبالغاً فيه -إلى حد ما – بأناقة مفرطة في تفاصيلها، جمعت بين اللون والصورة والحرف بحرفنة تتناغم وتتناسب مع طبيعة المرأة كجنس بشري مرهف الحس، وخاصة تلك العبارة المستحثة للفضول والتي جعل منها الكاتب عنواناً ثانوياً لمجموعته، ألا وهي عبارة (للبنات فقط) كما جاء على الغلاف الخارجي، إلا أن مضمون المجموعة ومعالجة الكاتب وطرحه له من زوايا متعددة يعني لنا -كقراء- ما هو أبعد وأعمق من العناوين والمسميات والأغلفة وألوانها ومكوناتها، كأوليات سرعان ما نتجاوزها بأنظارنا -بداهة- لدى مطالعتنا أو تصفحنا لأي عمل أدبي، إذ إن مثل هذه (الإكسسوارات) وإن كان لها اعتبارها من نواح فنية معينة، إلا أنها -بالتالي- ليست أساساً في عملية الإبداع الأدبي، لكونه قائماً بالدرجة الأولى على اللغة المجردة، وما عداها من الفنون الأخرى ذات العلاقة فهي تدور في فلكه.
حقاً.. لقد فاجأ (الغازي) قارئه حين نقله مباشرة من العنوان (الرقيق) ذي الغلاف (الأنيق الرومانسي) لمجموعته هذه إلى حيث الخشونة والقسوة المحيطة بالمرأة العربية والشرقية بوجه عام، في مجتمع قامت ثقافته التربوية التقليدية على تجاهل كينونتها وإشعارها منذ نعومة أظفارها بأنها كائن بشري خلق ليكون هامشيا، ومحجوراً عليه وليعيش في إطار ضيق يومي، لا تتجاوز حدوده صالة المنزل، ومطبخه، والغسيل، والكنس والتنظيف، والحمل والإرضاع، ويجب أن تظل هكذا إضافة إلى وجوب تحملها للقيام بأعباء (عش الزوجية) حين تصبح زوجة، (وحيدة في البيت من ملل المسلسلات التلفزيونية إلى إعداد الطعام أو من الآلام بأعلى الرأس إلى الآلام بأسفل البطن .. ومن جلسات نساء العائلة والمقربات عن آخر زيجة وأحدث مطلقة وتقدير المهر والأثاث لكني أحلم بالغربال كنهاية حتمية وهدف لا يبرح خيالي كفاصل لاستعادة قدرتي على الاحتمال) ( ).
( في بداية زواجه وجهها لارتداء النقاب حتى حين زيارة أقاربها.. كادت تختنق في البدء لكنها تعودت.. ثم عمم ذلك على كل تصرفاتها فانعزلت وبيتها عن الحياة، وكان كل من يسألها أو يفتح معها حواراً تبين له أنها رغبته وموافقتها بعد اقتناع فكان حزنها أصدق من ابتسامتها، وتعرضت لموجات متلاحقة من الأرق والتفكير ثم الخوف من المستقبل) ( ).
(البنت الكبيرة فقط كانت تساعدها في أعمال البيت، والبنات الأخريات مدللات أعمارهن بين السابعة عشرة والسابعة والعشرين ولا شيء في حياتهن.. ) ( ).
فعلاً !! لقد أدمى (الغازي) قلوبنا – نحن كقراء – لمجموعته هذه حين قدمها إلينا بغلاف أنيق فائق الروعة، يعكس الطبيعة الأنثوية ورقتها ورومانسيتها، لينقلنا بعد ذلك مباشرة، وبطريقته الخاصة ككاتب وفنان على غرار (وراء الأكمة ما وراءها) إلى نقيضها تماماً من معاملة المرأة بخشونة وجلافة وقسوة وعنجهية لا مبرر لها دينياً وأخلاقيا وإنسانياً.
فأين (الرقة) إذن في هذه المجموعة القصصية؟ إنه مجرد ظلم واضطهاد وكبت وعنف موجه للمرأة وتحميلها فوق ما لا تستطيع!
ربما أن الكاتب هنا قد استخدم طريقة تسمية الأشياء بأضدادها، بما يتفق – أدبياً – مع نظرة الشاعر العربي القديم في بيته الشهير حين قال ذات مرة: (والضد يظهر حسنه الضد)!!

رقة أم قسوة ؟ قراءة في مجموعة«الرقة» للقاص صالح الغازي مقال حمد الرشيدي.

نشر في جريدة اليوم السعودية
بتاريخ
2014/06/14 –


#صالح_الغازي
#الرقة_للبنات_فقط





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود