تليسكوبات بشرية
هل دخلت إلى الشارع فوجدت أحدهم يمد رقبته من خارج المحل ليعرف أي بيت ستدخل؟
هل وجدت أحدهم يحاول ملاحظة أي ملفات تفتح على الكمبيوتر؟ أو ينظر في جوالك ليعرف من المتصل؟ أو ماذا تفعل؟
هل صادفت ذلك الشخص الذي يتلصص على من حوله؟ ليقلدهم أو ليقارن نفسه بهم؟ أو ليثبت تفوقه؟ أو ليخفي نقاط ضعفه! انه يعتبرك مادة لاستغلالها!
هل شعرت بسهام أحدهم من العين السحرية ترصد من الضيوف الذين يزورونك في شقتك؟
هل زرت قرى ريفية أو حياً قديماً وشاهدت سيدات جالسات على ناصية الشارع أو رجالاً على المقاهي يعرفون كل ما يحدث من دخل الشارع ومن جاء ومن زار أي بيت؟ وكم الوقت الذي قضاه؟ ومن عنده مشكلة ومن لديه حدث استثنائي؟
رأينا هذه الشخصية على الأقل في الأفلام والمسلسلات، وفي البحث عن اسم نطلقه عليها لنستدعي به كل معارفنا عنها، وبالتالي صنع مساحة الأمان الخاصة بنا كي لا نسمح لأمثالهم بمساسها لنتمكن من الاستمتاع بحياتنا.
ما رأيك في تسميته «المتلصص» أو«المتطفل» أو «لا تفوته شاردة ولا واردة» والشاردة أي التائهة، وشرد الجمل أي جمح واستعصى. أما الواردة فهي الآتية طواعية، أي أنه لا تفوته القادمة طواعية ولا حتى الشاردة المستعصية.
ولاحظ ذلك الفيروس الذي إذا دخل في عقل شخص أصابه بمجموعة من المتتابعات المتواليات، فتشابه معها لكن بخطورة أقل على الآخرين، ويقال عنه – حسب التعبير المصري الحدق الناصح– الذي لا يفوت أي فرصة إلا ويحاول الاستفادة منها، يستغل أي شيء، بداية من العروض في الماركات والهايبرات والتخفيضات في محال الماركات، الى الاستفادة من مواهب من حوله لمصلحته واستغلالها، إلى الضغط على من يستطيع الضغط ليظهر أنه الغالب، ليس من المهم أن يكون صاحب هذه الصفات من الأغنياء أو من أصحاب دخول منخفضة، فقط هي تفاصيل لها علاقة بفراغة العين أو قلة الثقة بالنفس، أو الفراغ عامة أو وسيلة للهروب من حياته التي لا يحبها إلى حياة الآخر، فيختار الأماكن المميزة التي تكشف كل المكان، ويحرص على حضور دورات تدريبية على رادار حديث أو يشيد برج مراقبة، تجده على مواقع التواصل الاجتماعي يراقب الأصدقاء ويحاول أن يعرف أي معلومة أو أي شاردة.. إنه دائم التدريب على الالتقاط ثم التحليل والاستنتاج، ويفخر إذا اقتنص شيئاً، ومنهم من يجيد إبعاد المنافسين له وإطلاق إشاعات عليهم يكبر فيها عيوبهم، لذلك أقترح اسم «تليسكوبات بشرية» كي نجمع سمات هذا النمط.
وأذكر لكم بيت الشعر الشهير لسلم بن عمرو «من راقب الناس مات همًّا.. وفاز باللذة الجسور».
مقال صالح الغازي
صحيفة القبس
٥ سبتمبر ٢٠٢١
تعليقات
إرسال تعليق