البنات فقط قصة: صالح الغازي*

طبق كبير يشبه الدف، يتحرك يميناً ويساراً وبمفاجأة للأمام وللخلف وبسرعة لأعلى ولأسفل.. حيثما تراه سينقبض صدرك.
أتذكر أول مرة ركبته كنت في العاشرة بجرح غائر على لوح الصلصال في قلبي آثاراً لتهكمات زميلاتي على طول أنفي فاللطيفات منهن أطلقن عليّ نقار الخشب والغليظات لقبنني بالعجوز أم منقار، كنت أفتش وقتها عن أي تغيير حتى قالت إحداهن بروعة هذه اللعبة فأجبرت أبي بالإلحاح والبكاء على اصطحابي إلى الملاهي وحينما اخترت تلك اللعبة شعرت بانقباضة صدره من التحركات المفاجئة وفزعه من التحركات العشوائية، كذلك أمي همست في أذني خوفاً على بكارتي.. فطمأنتها أن كل زميلاتي يركبنها باستمرار ففيها احتياطات أمان عالية فالمقاعد مزودة بحزام يشبه حزام الطائرة وبذراع حديدية للأمان تغطي الصدر و أخرى للقدم..
جلست أول مرة مشدودة وكأنني على الكرسي الكهربائي.
يعلو.. فجأة ينخفض فأخرج شهقة كبيرة وأصرخ بأعلى صوتي لمن حولي ليستمعوا إلى صراخي..
استمعوا جميعاً إني أصرخ أهها .
أمي تلك المسكينة لم تركب معي أبداً، ماشية في ذيل أبي كظله، دائماً تتمنى إسعادي فأنا ابنتها الوحيدة لكنها لا تعرف كيف..
تؤكد لي دائماً أنني أشبهها في كل شيء.. فيم أشبهك يا أمي وأنت تخافين الغربال وأنفكِ عادي جدّاً؟!
***

السنون تمر وما زلت أجبر أبي باكية بالساعات حتى يوافق على اصطحابي إلى الملاهي لم يعد يرفض ركوبي بعد أن لاحظ أن جميع الراكبات فتيات.. أشعر بجسدي كله يهتز.. كل خلية تهتز دون سيطرتي عليها ودون إرادة أو تحكم وكأنني مهرة عفية تتدفق نشاطاً وحيوية..
***

وحيدة في البيت ومعاناة روتينية من ملل المسلسلات التلفزيونية إلى إعداد الطعام أو من الآلام بأعلى الرأس إلى الآلام بأسفل البطن.. ومن جلسات نساء العائلة والمقربات عن آخر زيجة وأحدث مُطلقة وتقدير المهر والأثاث لكني أحلم بالغربال كنهاية حتمية وهدف لا يبرح خيالي كفاصل لا بد منه لاستعادة قدرتي على الاحتمال
***

أزيح مئات المشاعر المكبوتة وأخلع كل الستر عن وجهي مستسلمة للدوران المذهل كأن طاقتى  تتبدد شيئا فشيئا .. ينخلع فؤادي و أراه أمامى طائرا   وأصرخ بأعلى صوت فيصعد له ليعيده مكانه لكن مفاجأة التوقف قاسية ولا نملك الا تمنى أن يكمل غربلتنا..
أنظر بعد الانتهاء إلى عيونهن فأجدها زائغات مثلي وأنظر إلى أنوفهن لأجدها صغيرة منمة مثل أنفي تماما !
 نشرت القصة في جريدة أخبار الأدب الأحد 10 -7-2012 العدد 985


*من المجموعة القصصية الرقة ...البنات فقط الصادرة عن دار ميريت .



البنات قصة صالح الغازي نشرت   في صحيفة أخبار الأدب 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود