" في الطريق لأسعد الأوقات " قراءة في " سلموا عليا وكأني بعيد
قراءة : وليد طلعت
"سلموا عليا وكأني بعيد " هو الديوان
الثالث للشاعر صالح الغازي بعد ديوانيه " نازل طالع زي عصاية كمجة " و
" الروح الطيبة " وهو كتابه الخامس بعد مجموعتيه القصصيتين " تلبس
الجينز " و " الرقة " .
و قد قدم الشاعر لديوانه بإهداء
( إلى مكان يساع القدم والأحلام
إلى الأمل اللي موجود على طول وبيدور
على بلاد تتبناه )
مصدرا لنا منذ البداية تمسكه بهذا
الأمل ويقينه في وجوده باحثا معنا عن أرضٍ تتسع له وللأحلام .
وقد قسم الشاعر قصائده إلى اثني عشرة عنوانا رئيسا ، ونستطيع نحن تقسيمه
في قراءتنا إلى ثلاثة أقسام رئيسية :
- الأنا
والآخر
وتشمل قصائد العناوين ( تدوم الزيارة – تقضية وقت – الحاوي الهندي –
سلموا عليا وكأني بعيد )
- قصائد
للوطن ( الزرافة تحترق – أول يوم .. آخر يوم – سكة الحنين الطويلة – صورتين :
الأسد والحمامة – الحرية مالهاش قانون،تعظيم سلام للشهدا )
- مشوار
المحبة ( مشوار للجنة – لسه الأمل في المحبة يقدر يشاء – أسعد الأوقات ) .
في القسم الأول من الديوان يعرض الشاعر لعلاقة الذات بالآخر بما يشوب هذه
العلاقة دائما من تشابك وما يشكله تنوع
هذا الآخر وما يمنحه في أحايين من محبة
ودفء وسكينة تدفع المرء للاستزادة من هذا الوجود الحميم وما يصاحبه من ود فيتمنى
لو " تدوم الزيارة " ويكون شرط المودة الوحيد ( اخلع نعليك وأحزانك )
لتنفتح له الأبواب والقلوب وتعلو الابتسامة ، كيف لا وهذه القلوب المحبة تمنح من العطف والود والقرب ما يعيد للمرء إحساسه
بآدميته منحا بلا حدود :
(
خلاني أقول كل اللي جوايا.....
لما خرج ما أأخدش حاجة
ودعني بنظرة حنينة
خرجت وراه ، لقيته سايب قدام الباب
صحبة زهور
رجعت مكانه علي الكنبة ، لقيت ريحة
ياسمين ) .
وهوما يجعل من هؤلاء الأحبة مكانا
دائما بالقلب مهما بعدوا..
" البعيد عن العين بينور في
ألبوم الصور " وهو ما يجعله كلما حن واستشعر الوحدة يجري لألبوم الصور ..
( كلهم منورين
وشوشهم بتبتسملي
فاتحين لي أحضانهم وأحلامهم )
ولهؤلاء فقط تتكشف الذات وهم فقط القادرون بلا جهدٍ على هذا الكشف ..
( الأشعة الحمرا بتكشف المستخبي
ولا يساويها في الدهاء إلا عيون اللي
بيحبوني ) .
كما أن لوجود هذا الآخر بالجوار وطأة بما يمثله
هذا الوجود أحيانا من عبء وثقل ،
تجعل من مجرد تواجده مأساة بما يشعه ويفيض منه من مشاعر سلبية ..
( احتياجك للفضفضة عيشه دور المصلح
الاجتماعي
ولما نطر عرق الثقافة .....
انفجر صدره وخرج منه الغول
...... أول خطوة للكوارث بتبقى
سهلة. لازم تعد فناجين القهوة بعد ما يمشي ) .
الذات حاضرة ومأزومة في هذه المجموعة
من القصائد تطرح أزمتها الوجودية وسعيها للتعايش مع الواقع واحتوائه بكل ما يحمله
من نقائض ومتناقضات ، تتعايش مع الوجع والألم في إصرارٍ على البقاء وتشبث بالبهجة
( السما مابتبتسمش زي أم لرضيعها
لكني لسه باضحك لما بافتكر موقف حلو
وأرمي ورا ضهري ) .
فما الذي يدفعها إذن لترى نفسها
الشبح الباهت في الصورة المشرقة ( مفيش غير شبح باهت لواحد يشبهني )
أهي الأعوام الرتيبة التي تمر سراعا
ذاهبة بنبض الحياة والأحلام ( عشر سنين فاتوا فجأة كوم دوسيهات ماليها التراب
وأنا موظف أرشيف ف دراعي الأكمام
السودة )
أم هو الوجع الوجع النفسي والجسدي الذي أعملته فيه الأيام
( أطلع السلم أعاني من وجع سمانتي كأني طالع جبل
شايل دوسيهات لعشر سنوات وضهري
متشرخ )
( عطن السنين عالقلب روماتيزم )
أم هو الحنين ينزفه القلب في البعد
عن الأحبة ..
(
أرقص عالإزاز زي حاوي هندي
يسقفولي يناولوني الإزاز أمضغه
ليل يناولني للتاني )
وهو يطرح لنا أسلوبه في ملاعبة
الحياة والمحاولة المنهكة لأن يعيش ..
( أسلوبي إنك تعيش زي مارد زي قزم واللا قرد
عيش..
بس تخلع أي حاجة مش بتاعتك ..
لأن قلبك أصله قلبك
.................
سيب الأحمال وتعالى كمل
يللا نمشي . )
فهل يستطيع ؟ وهل تستطيع هذه الذات
بما ترى وتعلم أن تنير لنفسها ولغيرها الطريق مع قسوة التجربة واحتدام السباق ..
( حكايات الضحايا عرفتني تمن كل شيء
كلنا في السباق
باجري كأني قاعد على ركبتي وميت من
الضحك
باجري كأني باردد أغنية قديمة
بتفكرني بذكرى
باسامح الأعداء ومش عارف أسامح
الصحاب )
أم تنوء بحمل صخرتها الأبدية صعودا وهبوطا لا يصل لشيء ( أشحت يوم إضافي
عشان أثبت وجودي من جديد
نجمة جه عليها الفجر ومانورتش لحد !
) .
في القسم الثاني من الديوان يطرح
الشاعر هموم الوطن ، آماله و أحلامه له ، رؤيته للواقع البشع الذي لا
يمكن لو استمر إلا أن يودي بنا إلى نهايةٍ مروعة فيرصد تحت عنوان "
الزرافة تحت رق " بنصيها " الزرافة المحترقة " و" الزرافة
منورة " ما حدث بمصر من اشتعال مجلس الشورى وتبعه مجموعة من الحرائق هنا
وهناك
(
بداية عصر الاشتعال
تنطر شظايا على البيوت والناس )
بينما صاحب الهيلمان
باليمين يحمي نفسه بالشمسية وفي
الشمال الصولجان ) ، هذا في الوقت الذي تتزين فيه القاهرة وتتبهرج لاستقبال
أوباما..
( الزينة ممكن تكون نضافة
مش بالضرورة بهرجة .....
آدي القاهرة بقت منورة من غير أهلها ) .
وهو يحاول ويواجه ويناور ويخوض
التجربة ويتعلم ، فالمواجهة حتميةٌ أحيانا لكن بشروطه هو ووفق ما يؤمن به ..
(
لكني بافضح حيلك ومش هيخيل عليا شفايفك الباهتين
عارف إنك مش هتنتهي
لكني فاتح دراعي للحياة والوطن
ح افضل أراقب حركة المرور من غير ما
أكره اللي حواليه ).
وبرغم يا يعتري الوطن الكبير من وهن وبقدر ما هو
طاردٌ له ولغيره من أبنائه لا يأبه لصراخهم من أجل أن يستنقذوه طامحين في التغيير
أملا في الحرية ، فهي هناك له، موسيقاه للحياة " هدي " أمه التي تتربع في قلبه مانحة إياه القوة والأمل (
زي عبارة بتريحك لما ترجعلها. أغنية تنعشك لما ترددها . هدى حلم يجيلك يروق بالك. يحطك على أعتاب الصبح ) .
في
"سكة الحنين الطويلة " يبدأ المشوار نحو الحلم الكبير رغم وعورة
الطريق ( يادوب بامشي خطوة خطوة مش محبة
في البطء إنما رجليا بتغوص في
الرملة
واعترف
أنا مكسوف أعيط ) . ف " الصحرا الواسعة كانت الوطن " لكنه لن يكف
عن خوض السباق والنضال من أجله ، فنراه
يغني للأم المستحيلة :
( انتي فين يا سندريلا يا بهية في الأغاني وفي المتاحف إيزيس
......
مبروك عليكي العتاب وعلينا السباق ).
وفي صورتيه " الأسد والحمامة
" و " الحمامة والأسد " يطرح لنا في رمزية شبيهة بحكايات كليلة
ودمنة قصة مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير فبعد أن تكون ( الحمامة تحت رجل الأسد ) ،
تتغير الصورة لنجد :
( الحمامة رافعة راسها .
الأسد مع السحالي في الجحور. ).
ثم يغني شاعرنا لوقود الثورة من
صانعي الحرية ،
ضاربا ( تعظيم سلام للشهدا ) الذين
رفعوا رأسه وجعلوه فخورا بعلم مصر يضعه
على البروفايل :
( في جسم الجبل طلعت الأعشاب
طلع الشباب الملهم
صحى العايمين على وش المية مع
الرغاوي والغرقى والغربة عن الآحلام ......
مين اللي وقع ؟
مين اللي حاطط ودنه ع الأرض
بيسمع صوت الحياة الجاي؟
مين اللي حاضن الأرض وسابها حبلى في
الأمان؟
كل طيور الحب خارجة من قلبه بتحوم
حوالين الميدان ) .
وهل يكتمل الحلم ، ويستمر التغيير ؟
أم ..؟
سؤال طرحه الشاعر مع صدور ديوانه في
2011 م وهو يرى بعين وعيه صعوبة المواجهة ومدى المقاومة التي تمارسها قوى الماضي
التي لن تتخلى بسهولة عن أماكنها لدم المستقبل الجديد يجري في عروق الوطن ، ويرصد
ذلك في "بطل ألاعيبك "،" ألاعيبك بطلها بقى " و "
التغيير مالوش نهاية ".
أما القسم الثالث من الديوان والذي
أسميته ب " مشوار المحبة" فهو تجربة إنسانية خاصة يتغنى فيها الشاعر
بالمحبة ويغني للحبيبة في غزلٍ حميمٍ :
( أي أرض من صلصالها جسمك العبقري
وأي نبتة حكيمة ضللت عليكي فبقيتي
بالطهر ده )
وهو يرصد لنا مشوار المحبة لنشاركه
فيه خطوة بخطوة فيبدأ ب " مشوار للجنة " وما به من حنين وقلق ومصاعب
ينهزم أمام الحب حيث " لسه الأمل في
المحبة يقدر يشاء " ، فالحب هو الدافع للتغيير
(الحب يقدر يغلب الحزن مش كده
قلتيلي كده
كونتيلي بخيوطك الحرير حريتي
أجري ورا جنوني
قبل ما أقع تلحقيني )
والقرب هو الطريق ل " أسعد الأوقات " به يعبران كل صعب حتى يصلا معا إلى بيتهم العالي
( ومادامت جدورنا قوية .. نعدي من
جوه الأرض للناحية التانية ) . فهما لم يكونا أبدا ( مجرد اتنين ولا مجرد موجوعين
من العالم ) ، وهكذا يصل بالمحبوبة ل " أزهى ألوان الفرحة " حيث
تبدأ أنا شيد المحبة وتستمر ولا
تنتهي .
ديوان سلموا عليا وكأني بعيد
صدر عن دار العين بالقاهرة
تعليقات
إرسال تعليق