مجلة الإذاعة والتليفزيون حوار مع صالح الغازى: «الباص» تحرض على التعاطف الإنسانى


الشعر هو الفن الأكثر متعة.. ونحتاج وضعًا ثقافيًا يشجع على تنمية المبدع / لا أنشر إلا الكتابة التى تخصنى وتقدم جديدًا فى الأسلوب والرؤية

-------------

صالح الغازى شاعر وقاص وروائى، صدر له حديثا روايته الأولى "الباص"، وهى عن وسيلة المواصلات التى يستخدمها المغترب للانتقال فى الحياة اليومية، ونتعرف من خلال الرواية على علاقة المغتربين بعضهم ببعض والعديد من الحكايات الإنسانية، وقد صدر له من قبل العديد من الدواوين الشعرية مثل: "نازل طالع زى عصاية كمنجة"، و"المتوحش اللى جوايا"، و"شايف يعنى مش خايف"، كما صدر له العديد من المجموعات القصصية والمقالات النقدية.. تحدثنا معه عن الرواية وعن الشعر وعن عمله فى مجال إدارة النشر والإدارة الثقافية.

أجرت الحوار الصحفية  أميرة سعيد

_____________

ما الذى  كانت تمثله لك رواية "الباص" وقت كتابتها؟

"الباص" تحدٍ كبير لتناولها موضوعا مؤثرا وحيويا، عن شاب مصرى يضيق به الحال فى مدينته التى نشأ فيها #المحلة_الكبرى فيسافر للعمل بالقاهرة، وحين يقهره مديره يبحث عن عمل فى الخليج، ليذهب للكويت بعيدا عن أسرته، وهناك يفاجأ باختلاف نمط الحياة واختلاف الناس، لم يجد من يساعده أو يرشده، ومن هذا المنطلق تبدأ دراما الغربة والحنين والطموح والكبت والتعاطف والتجنب والمسالمة والعنف! فى الرواية جوانب درامية كثيرة ومستويات مختلفة؛ ففيها الحياة الواقعية بتفاصيلها وفيها الأسطورة، وكذلك حالة الحب؛ حيث يلجأ البطل للشخصية الوحيدة التى تتعاطف معه وهى #نورما الفلبينية  كذلك تدفعه الوحدة للتورط فى جرائم قتل وتجسس على الآخرين.

قلت إن الرواية خطوة لفهم الآخر، ماذا تقصد؟ وماذا يمثل لك الآخر؟

#الباص فى #الكويت له طبيعة لم يكشف تفاصيلها أحد من قبل، يرتاده كل يوم آلاف من جنسيات مختلفة. بينما لا يرتاده الكويتيون أنفسهم، فقد كشف لى الكثير من الأصدقاء الكويتيين أنهم تفاجأوا بما تحتويه الرواية لأنهم لم يركبوا الباص ولا يعرفون ما يدور به. من هنا فالرواية خطوة لتفهم الآخر وتغير الكثير من تصورات غير حقيقية عن المغترب، وتقلل الفجوة بحيث تجعلنا نفهم أننا جميعا لا نختلف عن بعض، وأيضا تكشف مدى احتياجنا جميعا للتعاطف الإنسانى، فالإنسان المعاصر متورط فى التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى على حساب العلاقات الشخصية التى أصبحت غير موجودة، حتى إن العديد من معارفنا ومشاعرنا انطباعات عن الآخرين من مواقع التواصل الاجتماعى، وهذا أيضا مسار مهم فى الرواية.

ما الانطباعات عن الرواية داخل الكويت؟

صدرت الرواية عن #دار_ذات_السلاسل وكان لها صدى كبير حتى أن بعد أيام قليلة من صدورها توالت المقالات والمراجعات فى الصحف الكويتية احتفاء بها، وكان حفل التوقيع والتدشين فى معرض الكويت للكتاب وشرفنى بحضور الحفل السيد محمد رشاد

 -رئيس اتحاد الناشرين العرب- ونخبة من الناشرين والنقاد والأصدقاء، ثم دعت #رابطة_الأدباء_الكويتيين لمناقشة الرواية فى أمسية، ووجدت احتفاء نقديا كبيرا، وقدم كل المناقشين رؤية لها من زوايا مختلفة؛ فلسفية وإعلامية واجتماعية.

الرواية تطرح قضية #المغتربين فى الكويت وفى الخليج العربى، ما الذى كنت تريد أن توصله من خلالها؟

هناك أشياء عديدة تطرحها الرواية بكثير من الإنسانية، وليست من وجهة الانتقاد أو التصادم أو الكره، إنما فقط طرح المشاعر وتعريف أوسع لكيف يرى المغترب زميله كهدف يحاول ابتزازه، وكيف يرى الذين لم يغتربوا الأمر كله، كأن أحدهم سافر ونجا، بينما هو يعيش وضعا ملتبسا! الرواية تطرح تأثيرات التجاهل وتأثيرات الانسحاق أمام عجلات الكيانات الاقتصادية والآلات الاستثمارية بالشكل الذى يحرضنا جميعا على مساعدة بعضنا، هذا هو ما نحتاجه الآن وسط تحديات اقتصادية وسياسية وثقافية لم يسبق للعالم كله أن وقع فيها.. جميعنا نتعرض الآن لضغوط كبيرة لذا وجب التحريض على التعاطف.

للغربة تأثير كبير فى كتاباتك.. إلى أى مدى يشغلك هذا الموضوع؟

من عشرين عاما وأنا خارج مصر، لذلك تشكل الغربة واقعا أعيشه، البعد عن الأهل والعائلة والأصدقاء، لتظهر فقط لهم فى ألبوم الصور أو متابعات على وسائل التواصل الاجتماعى، كذلك البعد عن الزخم الثقافى المصرى أفتقده، فقد كنت أحضر فى اليوم الواحد عدة ندوات ومؤتمرات ومقابلات كثيرة لشخصيات فريدة.

"الباص" أول عمل روائى لك.. لماذا تأخرت فى خوض التجربة؟

عندى مشاريع روايات لم تكتمل، بأفكار ورؤى مختلفة، لكن موضوع "الباص" فرض نفسه على كل تفكيرى ومشاعرى، لذلك اكتملت الرواية وأنا على يقين ألا أنشر إلا الكتابة التى تأتى بجديد فى الأسلوب والرؤية وتكون خاصة بى.

الشعر والقصة القصيرة ومؤخرا الرواية.. أيهما الأقرب لك؟

الشعر هو القريب البعيد، لى 5 دواوين منشورة، الشعر هو رؤيتى الخالصة وممارستى اليومية وحوارى الممتد بين نفسى والكون كله. أكتب الشعر بالعامية المصرية لكن بجماليات الشعر بمفهومه الواسع، لذلك تشعر به الأذن المرهفة. أما القصة القصيرة فكانت تجربة رائعة، كتبتها لأنى لم أجد منفذا لأعبر عن وجودى الأدبى، فى فترة كنت أعيش فيها فى السعودية، ولم يسمح لى بنشر الشعر بالعامية، فكتبت مجموعتين قصصيتين ونجحت كثيرا وطبعت عدة طبعات. أما الرواية فقد استمتعت بها، وسيطرت عليّ، حتى أن كل حياتى فترة كتابتها كانت تحتوى على كلمة "الباص" كل ساعة، وعامة لكل صنف أدبى متعته. ويبقى الشعر هو الفن الأكثر متعة ونفاذية بين فنون الدراما، حتى أن الرواية تقل أهميتها كلما اكتفت بالحكى المباشر، لكنها تكون ممتعة كلما زادت شاعريتها.

البداية كانت مع الشعر من خلال ديوان "نازل طالع زى عصاية كمنجة".. فكيف كانت بدايتك مع الشعر والكتابة؟

قررت وأنا فى السنة الثانية فى الجامعة أن أنشر ديوانى الأول، ومن حظى أن تتم مناقشته فى معرض القاهرة، وفى قصر ثقافة غزل المحلة عام 1997، وقد ناقشه الناقد البارز   سيد الوكيل والشاعر الراحل مجدى الجابري، وقدم قراءة فى الديوان موجودة بصوته، وناقشه الشاعر مسعود شومان، وكانت دراسته بعنوان "نازل طالع زى عصاية كمنجة - المراوحة بين عالمين"، وقد كتبته بالعامية اللهجة التى أفكر وأتحدث بها، ولكن دون الوقوع فى بئر القوافى أو التقيد بإيقاعات محدودة، كتبت قصيدتى محاولة للوصول لطريقة تخصنى. قصيدتى هى اتساقى مع نفسى ودرعى وسلاحى فى مواجهة العالم الأرضى، وأهتم برسم الكلمة بحيث تكون سهلة القراءة، وبعيدة عن العشوائية فى تحويلها من الشفاهية للكتابية.

كيف ترى واقع شعر العامية فى مصر الآن؟

الشعر العربى كله يعانى، لكن فى العموم شعر العامية بخير، وكل شاعر فقدناه ترك لنا امتدادا من الإبداع وتراثا ثريا، آخرهم كان مجدى نجيب ترك لنا أشعارا من الذهب الخالص وقيما رائدة. ولن أستطيع التحدث باستفاضة عن واقع شعر العامية، فقد يعتبر البعض أننى غائب عنه، لأنى لم تدعُنى أية جهة لأى مؤتمر رسمى فى مصر خلال العقدين الأخيرين، لكن رسالتى أنه يجب أن نحتفى بالأحياء من شعراء العامية الكبار ونعطيهم قدرهم، وأذكر منهم جمال بخيت  وأمين حداد 

وبهاء جاهين وعبد الستار سليم عبد الستار سليم ، ومسعود شومان   ومدحت منير  ويسرى حسان  وصادق شرشر  

وعبد اللطيف مبارك    وحاتم مرعى  وماهر مهران الشاعر   ومحمد خميس محمد   ومحمد عزيز وغيرهم الكثير متعهم الله بالصحة جميعا. وأتمنى أن يهتم النقاد بالدراسة الموضوعية للنصوص الشعرية، وكذلك يهتم منظمو الأمسيات والمؤتمرات باستضافة وترشيح شعراء جادين، وليس فقط المتاح أو الموظف الذى يفرض نفسه، ليكون اختيار الشعر بعيدا عن المجاملة أو المقايضة.

هل الشعر تراجع؟

كل الاهتمامات الإبداعية تراجعت لأسباب كثيرة، منها أن مفهوم الإبداع والثقافة التصق بهما الاستثمار، فنحن نقول فى لغة الاستثمار إن أكبر استثمار عالمى فى جوجل والفيس بوك، وهذا هو التوجه العالمى الأكبر، ويفسر لنا الكثير من التخبط، حتى أن أغلب الحكومات أصبحت تعتقد أنها غير مؤثرة ثقافيا فاستجابت للضغوط الاقتصادية واستقطعت من ميزانيات التعليم والمشروعات الثقافية، لتسد العجز فى الخدمات الأخرى، بالإضافة إلى أن المبدع المتميز عمل فى السوشيال ميديا والتكنولوجيا وفنونها الحديثة الباهرة، ووجد ظهوره ضمن برامج الاستثمار الثقافى والدعاية والتسويق، ولم يتبق فى المشهد الشعرى التقليدى (الأمسيات والندوات) إلا هؤلاء الذين يقلدون أو يتشابهون مع شعراء سابقين، وهناك من يشجعون الشعر الذى يميل للأداء التمثيلى كمونولوج، على طريقة شكوكو وإسماعيل يس.

لماذا لم يعد لدى الأجيال الجديدة من شعراء العامية اهتمام بالقضايا الوطنية والاجتماعية، كما كان يفعل شعراء العامية الكبار أمثال عبد الرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم؟

الأجيال الجديدة لديهم حس وطنى واجتماعى لا يختلف عن السابقين، لكن المتميز فيهم أخذته السوشيال ميديا والتكنولوجيا وفنونها الحديثة الباهرة والاستثمار الثقافى الهادف للربح، فأصبحت لديهم طرق مختلفة للتعبير عن مشاعرهم، وهناك العديد من الشعراء لم يجدوا فرصة للعمل فى مصر فسافروا للخارج وعددهم كبير.. أعتقد أن العناية بحصرهم والتواصل معهم واستضافتهم أمر يثرى الوطنية. كما أن هناك العديد من الشعراء لديهم انشغالات أخرى وضغوط حياتية، والعديد من موظفى الهيئات الثقافية -وهم آلاف- يتداولون مقاعد الأمسيات، لذلك لم يتبق لمن يرصد المشهد الشعرى التقليدى فى الأمسيات والمؤتمرات إلا تجارب متواضعة القيمة.

هل نحن فى حاجة إلى حركة شعرية جديدة؟

الإبداع يرقى بنفسه، فحركات التجديد أو الإحياء هى نتيجة وضع ما، مثلا قد تصاحب ثورة أو حرب أو أزمة، أو تواكب النهضة التى تمر بها الفنون الأخرى سواء الفن التشكيلى والقصة والشعر والمسرح، ولأن مصر أمة كبيرة ففيها مواهب كثيرة جدا. وعامة نحن بحاجة إلى وضع ثقافى يشجع على تنمية المبدع، فتنميته مفتاح التجديد.. وبحاجة إلى استثمار ثقافى غير هادف للربح، وبيئة أكاديمية تشجع على الإبداع، ورعاية للمبدع من معاش وتأمين صحى، ونحتاج لتطوير التعليم فى كل مراحله.

ما الذى ينقصنا وما المشاكل التى تواجه شباب الشعراء حتى تتم ترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى؟

سأعرض لك الوضع وعليك استنتاج ما الذى ينقصنا. تتم الترجمة إلى اللغات الأخرى عبر طرق ثلاثة، إما بناء على طلب أو احتياج جمهور يتحدث لغة أخرى لمعرفة الشاعر بناء على الفوز بجائزة أو تزعمه لفكرة ثورية أو قضية إنسانية مثل درويش ولوركا. أو ترجمة القصائد فى مجلة شعرية مقروءة ولها مصداقية فى اللغات الأخرى، للتعريف بالشعراء لتقدمهم للباحث وللناشر الغربى. والشكل الثالث أن يكون للدولة مراكز ثقافية تتجاوز الحدود، لتعمل بالتعاون مع السفارات ضمن برامج، ومنح تقدم لشعرائها، وتسعى لاكتشاف الآخر، مثل الدور الذى قامت به روسيا وألمانيا والصين وتركيا وأمريكا فى دولنا مثل دار رادوغا ومعهد جوته وبيت الحكمة ودار نشر الجامعة الأمريكية وغيرها.

فى المجموعتين القصصيتين "تلبس الجينز" و"الرقة البنات فقط" تناولت مشاعر المرأة.. هل ينجح الرجل فى التعبير عن مشاعر المرأة فى أعماله.. أم أن المرأة هى الأقدر فى التعبير عن مشاعرها؟

حين نتحدث عن التعاطف فهو أمر راق بديع، ويحدث أن يعبر الرجل عن المرأة والعكس، كل من زاويته، والقصة القصيرة تتيح لنا ذلك فى آلياتها، لأنها لا تفرط فى الحكى، إنما تقدم حدثا صغيرا أو حكاية بسيطة أو زاوية، وتدع القارئ يكمل من عنده ويبنى عليها.

حدثنا عن تجربتك فى مجال إدارة النشر والإدارة الثقافية؟

إدارة النشر والإدارة الثقافية هما عملى منذ 2005، واشتغلت بهما فى مؤسسات ثقافية عربية، وأسهمت فى النشر لعديد من المبدعين والكتاب فى السعودية، وقدمت عددًا من المشاريع الثقافية وحرصت على عمل نظم وآليات عمل مدروسة ومنهجية وحصلت الدار التى أدرتها لعدة سنوات على الدار الأولى فى الإنتاج الأدبى، وقدمت تجربة متميزة يعرفها الكتاب والزملاء فى السعودية انتهت مع 2016، ثم انتقلت إلى الكويت فى نفس المجال (الإدارة الثقافية وإدارة النشر) وأتمنى أن أوفق فيها، ولا أستطيع تقييم التجربة بالكويت، لأننى ما زلت أعمل فيها بكل جهدى وقدمت العديد من المشروعات. ومن الأدوار التى أفخر بها إشرافى على جائزة الدكتور عبد العزيز المنصور للناشر العربى، وهى جائزة برعاية اتحاد الناشرين العرب، يفوز بها ناشر عربى كل عام.

ما مدى تأثير العمل الإدارى على المبدع؟

فى بلادنا، المبدع لا يمكنه أن يتكسب من إبداعه، فلن يستطيع كاتب أو شاعر أن يعول أسرته من نتاج كتاب أو مقال أو قصيدة، لذلك جميع الكتاب لهم وظائف أساسية، وعملى فى الإدارة الثقافية وإدارة النشر منحنى وعيا وفهما أوسع لمفهوم الإبداع، وكشف لى وضع الثقافة والنشر والإبداع العربى بشكل مختلف وواضح.

ما مشروعك الأدبى القادم؟

أقرأ كثيرا، وأستمتع بمشاهدة السينما وأفكر فى مشروعات جديدة، ولديّ تحت الطبع ثلاثة كتب جديدة فى الشعر والسرد، فقط أتمنى التوفيق فى نشرها بالشكل اللائق

الحوار كامل 

 رابط ماسبيرو


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود