اليقظة في موسم «الرنجة» مقال صالح الغازي
ماذا تفعل لو أثناء زيارتك لأحد المعارف في شركته رأيته يلقي الأوراق في وجه موظف ويهينه على مسمع من الجميع بشدة لم تعهدها فيه، والموظف لا يرد؟ ثم يلمّ الأوراق ويمشي بمنتهى الهدوء؟ ما ردة فعلك تجاه هذا الحدث، هل ستغضب منه، توبخه، أو تقاطعه لأنه يتصرف بشكل غير إنساني مثلا؟
وما الوضع لو أنه من أسرة طيبة، وهو نفسه لطيف في معاملاته وودود!
ما العمل لو اكتشفت أن هذا الموظف المهان هو عينه في الشركة وينقل له كل تفاصيل ما يحدث، هل ستفكر مثلا أنه يستاهل ما يحدث له؟
هذا الأسلوب في أكثر من موقف..
مثال آخر.. مالك عمارة يهين الحارس أمام السكان ليعطيهم انطباعاً أنه يكره الحارس ويسبّه، بينما هو الحارس ينقل له كل كبيرة وصغيرة.
وهذا الحدث غالباً هو تمثيلي متفق عليه ضمنياً! وغالباً ما يكافئه صاحب العمارة على تحمله الإهانة ومشاركته التمثيل! ونجد بعدها الحارس يشكو من صاحب العمارة البخيل الفظ!
إنه الأسلوب الذي يصرف النظر عن الموضوع الأساسي بموضوع فرعي غير حقيقي.
والمثال المعروف على ذلك «هناك لغط حول حظر استخدام المبيدات في حقول الخضار والفواكه، لكنها أطعمة ضرورية لصحتنا»..!
إنه التشتيت عن الموضوع الأصلي لا يؤدي إلى الوصول لأي شيء على الإطلاق، فهو ينحرف إلى موضوع آخر مثير انفعاليًّا فحسب.
يستخدم هذا الأسلوب في المواقف اليومية ويستعمل في الادارة والسياسة والحرب، وفي كثير من الروايات والدراما هناك استفادة كبيرة منه، وطبعاً تجد المحاورات المهمة والنقاشات، وغالباً المناظرات تستعمله، ولأننا نحتاج أن نطلق اسماً واضحاً يطرأ على أذهاننا لنستطيع التعامل معه بوعي، فهذه المغالطة المنطقية اسمها (الرنجة الحمراء)؛ إنها نوع من السمك رائحته نفاذة كان يلقيه الصياد لتشتيت كلاب الصيد وإبعادها عن مطاردة الأرانب البرية.
إنها حيلة استعملها اللصوص؛ لتشتيت الكلاب البوليسية، برمي الرنجة الحمراء في مسار مختلف عن مسارهم، وبعد تضليلها، يهربون.
إلهاء متعمد لنقل الحجة أو السؤال إلى قضية مختلفة خارج مضمار الحديث.
مثلاً.. بدلاً من لفت النظر للتأخر عن العمل، يمكن معاقبة باقي الموظفين الذين يفتحون الكمبيوتر ويلعبون الألعاب الإلكترونية طول الوقت!
إنها تقنية للتضليل، فمستخدم المغالطة لا يهرب من الموضوع بطرحه لموضوع آخر وحسب، إنما يحاول بذكائه ألا يظهر أنه غير الموضوع.
حين اكتشاف الرنجة الحمراء يجب التعامل بوعي، ببذل المزيد من الجهد لمساعدة العقل للرجوع للمسار الصحيح للتركيز على المهمة الحالية، وقد يحتاج ذلك الكثير من الوقت لاستعادة تركيزه، حيث إن العقل يجهد عندما يبدأ في العمل على تبديل الطرق العادية.
تعليقات
إرسال تعليق