«الإلغاء».. مكانة مُزيفة مقال صالح الغازي
ليجري الباحث تجربته قد يُثبت عاملاً من العوامل أي يفترض إلغاءه مؤقتاً، أو يختار عينة محددة، كإجراء مؤقت ليختبر فكرته، لكن الأمر قد يختلط عند بعض دارسي الإبداع.
لاحِظ الباحث أو الناقد الذي يلغي صفة الإبداع عن نوعيات محددة مثلاً فقد تجد ناقداً محترفاً ألغي في تصنيفاته الشعر العمودي أو قصيدة النثر أو شعر العامية، أو ناقدا موسيقيا ألغى نوع موسيقى مثل إلغاء الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الروك أو الجاز! أو ناقداً فنياً ألغى التكعيبية أو السريالية أو انحاز فقط لرسم الطبيعة! في حالة البحث قد يختار الباحث اختياراً محدداً مثلاً «قصيدة النثر العامية».. هو يضيِّق دائرة بحثه ليكون أكثر دقة، ويأتي لنا بأكبر فائدة. لكن هذا لا يعني أن يلغي معه شعر الفصحى العمودي مثلا، بمعنى أن يستوعب أن الذائقة قد تنحاز لكن لا تتركها تقتل موضوعيتك أثناء الحكم أو البحث.
وقد يكون تبرير انتشار هذا الجانب في نقد الإبداع إما أن يكون الباحث في الأصل مبدعا غلبته ميوله أو بسبب معرفته مبدعين استحوذت عليه أفكار بعضهم، وإما انه باحث متواضع القدرات، بينما لا ضرر أن يكون المبدع متحيزاً لطريقة كتابته رغم أن المثالي من يستوعب ألوان الفنون ويختار تميزه، كذلك لا ضرر أن يختار الإنسان العادي فنه المفضل. الإلغاء يعطل التفكير العلمي وينفي نزاهة الباحث الذي يتحيز إلى فئة ليضعها في مكانة زائفة! وأيضاً حينما يكون هناك مصدر واضح لإنجاز إبداعي مثلاً مقال أو أغنية أو قصة أو رسمة ويقوم شخص ما بإلغاء المصدر ونسبه لنفسه فإنها جريمة!
قد يعترض المصدر أو لا حسب وعيه وحاجته وسلطة المستفيد وفعالية قوانين حقوق الملكية وتقبل المجتمع. ليتماس الإلغاء هنا مع الانتحال والاحتيال، من أشخاص يستكتبون آخرين أو يأخذون إنتاجهم الإبداعي ليظهروا بغير طبيعتهم وغير صفاتهم وغالباً في سعي لتكوين مكانة مزيفة. الطبيعي حينما يقوم شخص بعمل ينسب له بالطريقة المناسبة؛ لأنها مسألة حقوق ملكية ولا تسقط. وأي سطو على مجهود هو سرقة، والواجب أن يسجل ذلك حتى لو كان ضمن عمله أو يتقاضى عليه أجراً، والطبيعي يكون باسمه، وإلغاء حقه لا يعني أنه ليس له حق! بذلك يتماس الإلغاء مع التحيز والتنمر والاحتيال والانتحال. وقد تقاربت بالتماس مع بعضٍ من وجوه الإلغاء في المقالين السابقين.. وأختم بهذا المقال وأترك لك عزيزي القارئ التفكير بعمق في الموضوع من جوانب أكثر لتعيد تقييم ووزن مواقفك، وأتمنى ألا يتعرض أحدنا لقسوته لأنه أيضاً وسيلة سهلة للقهر.
مقال صالح الغازي صحيفة القبس
17 /18 يوليو 2020
المقال كامل على موقع صحيفة القبس
#من_شباك_الباص
تعليقات
إرسال تعليق