ثقافة الإلغاء



 هناك ألوان اعتاد البعض على استبعادها عند شراء الملابس، مثلاً اللون الأحمر أو الأسود، كما نجد أن البعض يلتصقون بلون واحد ويلغون الباقي مثلاً اللون الأزرق. وهناك من يلغي كل الأكلات في البيت ويقتصر على الوجبات السريعة. وهناك من يلغي كل المشروبات عدا المياه الغازية أو القهوة! وهناك من يلغون أي شيء إلا ألعاب الفيديو جيم لتكون محور اهتمامهم وأحاديثهم، وهناك من ألغى أي وسيلة معرفة بعيداً عن التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى إلغاء ما لم استطع فهمه والتفاعل معه، مثلاً إلغاء فهم المعادلات الرياضية والفيزياء والكيمياء! وهناك من ألغى سماع أو قراءة الشعر والموسيقى، كما أن هناك إلغاء لمنافس لي مثلاً لاعب منافس. 

ليكون الإلغاء في إحدى صوره البسيطة بمعنى قبول شيء ورفض ما سواه. والإلغاء بشكله الفردي يتماس مع التعصب والتجاهل والجهل والهوى والشعور بالمتعة والخوف والاستسهال والثقة بالنفس والتكبر والمزاجية. وقد يكون سبباً لها أو نتيجة لها. وثقافة الإلغاء موجودة في بعض العادات وقد تكون تقليداً لتقليعة أو هَبّة! 

ولا ينفي على أي حال أنها قد تكون نقيصة وفي الوقت نفسه طريقة يستعملها البعض لغرض أو هدف، فالإلغاء يتم بقصد أو من دونه مثلاً اعتبار شيء ما غير موجود ليكون التعامل على أساس ذلك، كنوع من محو ذكره وإهانته لكن هذا لا يعني أن تأثير هذا الشيء ملغى، فاللاعب المنافس قد تجده أمامك أقوى مما كنت تعرف، أو تعتبر الشعر دليلاً على فراغ النفس بينما النتيجة تظهر - على الأقل أمام نفسك - جاهلاً متعصباً! وفي حالات يحرم الفرد نفسه من معرفة مهمة أو مشاعر جميلة أو تأتي عليه تأثيرات ضارة. لاحظ حينما يقتني شخص قميصاً لونه أصفر ويجد استحسان الجميع ويكتشف أنه لم يرتد هذا اللون منذ طفولته! ولاحظ مرض البعض بسبب إدمان تناول الوجبات السريعة. وهناك سريعو الغضب والمائلون للعنف بسبب إدمان الألعاب الإلكترونية! 
لكن في ثقافة الإلغاء أنواع «طيبة» تأثيرها محدود مثل ارتداء لون واحد فهو لا يضر كثيراً، والحرص على تكوين أشياء مفضلة لدرجة لا تضر مثلاً: مكان مفضل أتنزه فيه وممثل مفضل أحبه أو نوع موسيقى مفضل أو نوع شعر مفضل ومثلاً أحب زوجتي فقط من النساء ولا أحب غيرها! وهذه أمور قد يكون فيها الصحة النفسية. ورغم أن ثقافة الإلغاء فردياً يغلب عليها العفوية والتأثير المحدود على فرد أو محيطه الضيق، لكن الإلغاء في نسخته الجماعية غالباً منظم ولنا في المقال القادم بقية.
--------------------
ثقافة الإلغاء
مقال صالح الغازي
 في صحيفة القبس
عدد الجمعة والسبت
3-4 يوليو 2020

للمزيد: 
#صالح_الغازي 
 #من_شباك_الباص

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود