البطل في رواية "النجدي" مقال صالح الغازي
حتى منتصف القرن العشرين اعتمد أهل الكويت على صيد اللؤلؤ والتجارة عبر البحر، وبالتالي فالنوخذة (الربان) هو البطل الحتمي لهذه المنطقة، ورواية النجدي لطالب الرفاعي، تستند إلى وقائع حدثت للنوخذة علي ناصر النجدي.
زمن الرواية هو 12 ساعة تبدأ من 11:30 صباح اليوم الأخير الذي خرج فيه للصيد ويتصرف الكاتب في إبحار مواز عبر الزمن بتقنية الفلاش باك مع ذكرياته منذ كان يناديه البحر وهو في الخامسة، ويعود للحاضر وهو في السبعين حيث رحلة الصيد. ويستمر التصاعد الدرامي الدقيق والإبحار الرشيق بين الماضي والحاضر بعبارات محكمة أو بحكايات، أو يتوقف أمام لحظات فاصلة في تاريخ الكويت، مثلًا ص105 توقف سفن التجارة في الخليج بسبب الحرب ثم اكتشاف اليابان للؤلؤ الصناعي، "ومع تصدير أول شحنة بترول من الكويت عام 1946م انصرف أهل الكويت عن البحر"، "بينما هو يقف أمامه حتى آخر لحظة ".
ويأخذنا الكاتب إلى عمق نفسية النوخذة. بأسلوب المناجاة بعاطفة قوية إلى بيت أسرته والكويت القديمة أو تساؤلاته بداية من "ما الذي يفعله البحر بالسفن الكبيرة فتصبح صغيرة في حضنه؟" وينتهي إلى مخاطبة البحر مباشرة "أنا ولدك يا بحر نسبي إليك نوخذه"، فهو في أصعب الأحداث ظهر كبطل وارتفع إلى مصاف الأساطير بأبوة البحر له، واختلطت مناجاته (وقت العاصفة)، فجمعت تعليقه على أحداث من الماضي والحاضر ليس بما يشبه الهذيان إنما بشحذ الهمة للمواجهة.
النجدي بطل شغوف بالبحر، ففي شبابه أرسله والده مع النوخذة عيسى القطامي ليتعلم منه فصادف أنه وقع في البحر وابتعد، وحينما وجد سفينة أخرى لم يلجأ لها! "لم أرد لأحد في تلك السفينة أن يراني ويقال في الكويت علي بن النوخذة ناصر النجدي غرق في أول يوم نزل فيه"، فهو يعرف طريقه للبطولة، وفي الوقت نفسه عنده يقين بعلاقتة المتميزة مع البحر.
ص154: "النوخذة في الكويت يسمونه سبع البحر، ويذكرون قصته يوم تغلب بشجاعته وذكائه على القراصنة وصراخه فيهم: سأنتقم منكم يا كلاب، ليقذفوا بأنفسهم هاربين إلى البحر، والأسترالي إلن فاليرز أبحر معه 6 أشهر، وكتب عن قدراته ووصفه، ولاحظ الفارق بين إدارة السفن بنظام، كل شخص يؤدي وظيفة محددة، بينما كلمة من النجدي تحرك الجميع، وتلك أيضًا من علامات بطولته.
إنه رمز للجرأة والصلابة يعززها شغفه بالبحر منبع بطولته؛ فرحلته الأولى سن 14 يرصد كيف قضى ليلة أول خروج للبحر "ليلتها ما ذقت طعمًا للنوم"، ويذكر تحذيرات والده "النوخذة يحفظ مواقع البحر في رأسه وقلبه: كل بقعة وكل نسمة وكل شاطئ" ويستوعب تفاصيل التجهيز لرحلة الغوص "دهن السفن بـ (الصل) المستخرج من أسماك القرش والسردين ودهن الأجزاء السفلية بشحم الغنم ومسحوق الجير لحمايتها من ملوحة البحر".
ويتعلم الأصول المتبعة في رحلات الغواص والظروف المحيطة ص48 "الغواص يجب ألا يأكل ليبقى جسمه خفيفًا فيستطيع المكوث تحت الماء أطول مدة يلتقط المحار"، النجدي مثال للبطل المأساوي؛ فما قاله لصديقه النوخذة عبد الله القطامي ص 21 "نهايتي راح تكون في البحر"، ولنلاحظ أيضًا ص40 "عدت إلى البيت والبحر يصرخ لا تتركني".
ص 31 "كأن روحي ما عادت تستكين إلا على الخشب المتمايل والموج".
لذلك كله يحب الخروج للصيد مع صديقيه عبدالوهاب وسليمان لأنهما قليلا الكلام فيستمتع بالانفراد بالبحر. ص126" تفترسني العاصفة وأنا في السبعين!"، لاحظ هنا الغدر من العاصفة؛ فالبحر هو الأب، لينتهي للتوحد معه، والغناء ممره للذكريات: ص36 "قبل أي رحلة سفر كنت أفتش عن أفضل النهامين لأصحبهم معي على البوم" ويقول ص 37 "الآن لحظة أسمع النهمة والغناء البحري تموج حياة كامنة في قلبي. أتذكر بيوت فريجنا الطينية ولعب الأولاد والبنات في البرايح الترابية" حيث تحيله الأغنيات إلى الكويت (البحر/الغوص/ السفر/ الحياة البسيطة) "وسط تلك الصعوبة وذلك الفقر عشت أجمل أيام عمري".
يصطحب في رحلته الأخيرة كاسيت ليسمع عوض الدوخي في الموال البحري "دمعي تحدر" وأخيرًا ص73 من الرواية سنجد أن صديقه عبدالوهاب يقرأ في الصحيفة خبر صدور كتاب تاريخ الغوص على اللؤلؤ لسيف الشملان من دار ذات السلاسل، فيبدي حبه لكتابات الشملان، لنجد أن حتى ناشر رواية النجدي جزء من دراما وعراقة كويتية وظفها الروائي طالب الرفاعي بحلول درامية ذكية عالج الأحداث الواقعية لتظل باقية في الذاكرة شاهدة على مرحلة مهمة في تاريخ الكويت مساحة من الحلم والصراع بين الإنسان والطبيعة؛ ليخلد جسارة البطل رغم معرفتنا سلفًا بالنهاية القاسية.
------------------------------------------------------------
مقال صالح الغازي
نشر المقال في صحيفة الأهرام المصرية
2-8-2017 |بتاريخ
على الرابط
![]() |
غلاف رواية النجدي للكاتب طالب الرفاعي صدر عن ذات السلاسل للنشر |
#النوخذة
#على_ناصر_النجدي
#بطل_الكويت
#طالب_الرفاعي
#على_ناصر_النجدي
#بطل_الكويت
#طالب_الرفاعي
تعليقات
إرسال تعليق