وطن من لحم

كيف تحدث الأفعال الملتبسه وكيف تسير في إتجاه المصيبة،تكر البكرة بداية من ضرورة إتخاذ رد فعل للشعوربالأمان والتحقق في غلاف من الظلام ،وتكر الأحداث الملتبسة وتتكاثر عند صمت الجميع ...حين يكون الصمت مرض وحالة بين مصلحة لهذا وجهل لذاك  .. تتحقق الورطة !
أشعر بتفاصيل ذلك كلما أعدت قراءة قصة يوسف أدريس (بيت من لحم) كأنها تشير بدقه الى كوارث المجتمع الذى يتورط أفراده فى لعنات متراتبة… فنجد الأرملة وبناتها الثلاث والبيت حجرة ” والحجرة رغم ضيقها تسعهن فى النهار… رغم فقرها الشديد مرتبة أنيقه، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الإناث الأربع فى الليل تتناثر أجسادهن كأكوام كبيرة من لحم دافئ حى“ وكعادة متوارثة يأت لبيتهن مقرئ كل جمعة يقرأ القران. وحينما يشعرن بالحاجة إليه  حتى وإن كان أعمى إنه  ”الرجل الوحيد الذى كان ولو مرة فى الاسبوع يدق الباب “ويستقر رأيهن أن تتزوجه الأرملة الأم ” يقولون ما يقولون… قولهم أهون من بيت خال من رنين صوت الرجال… أليس من الأفضل أن تتزوجى ليعرف بيتنا قدم الرجال فنتزوج بعدك؟”
وبدأت الأرملة/ الأم  فنبهتهن و حفزتهن “زوجها وحلالها… هى لم تعد تحفل بالمواربة او بكتمان الأسرار حتى والليل يجئ وهم جميعا  معا.. فيطلق العقال للأرواح والأجساد حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن “
ثم تواطأت الأرملة ”سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر ولماذا هى منطلقة تتكلم الآن ومعتصمة بالصمت التام ساعتها؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الآن – اذ هو كل ما كلفه الزواج من دبله ومهر وشبكة وهدايا- ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟”
لم تنتفض لكنها تواطئت خوفا من خراب البيت والعار الخ... فتركت خاتمها تستعيره منها المحتاجة المستسلمة للعنة المتعة  الواحده تلو الأخري فتضعه كأنها ناسية بجوار المصباح وتأخذه الوسطى ثم الكبري ثم الصغري..
“والخاتم بجوار المصباح …الصمت يحل فتعمى الآذان وفى الصمت يتسلل الأصبع صاحب الدور  ويضع الخاتم فى صمت أيضا “
وكان الأعمى متواطئا أمام المتعة السهله التى تجئ تحت قدميه ملتمسا العذر لنفسه أو مدعياً عدم المعرفة ورامياً المسئوليه على الآخر كونه المبصر المتيقن!  “هى زوجه وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه، تتصابى مرة او تشيخ، ترفع او تسمن هذا شأنها وحدها بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم!”
الجميع صامتون، كل واحد يمنح  لنفسه صك الغفران الحجة المناسبة والمريحة كأنهم مدفوعون إلى الرضا بهذا الشكل..
“الصمت المختلف الغريب الذى اصبح يلوذ به الكل .الصمت الإرادى هذه المرة، لا الفقر، لا القبح، لا الصبر ولا اليأس سببه إنما هو أعمق أنواع الصمت، فهو الصمت المتفق عليه أقوي أنواع الاتفاق، ذلك الذى يتم بلا أى اتفاق “
هذا ما يحدث بالضبط حينما نجد شركة أو مؤسسة تنهار  فجأة فالكل يعمل حسب أغراضه ولذاته ومصالحه وموائماته وخوفه وقلقه فيتناوبوا الخاتم ، ويحدث ذلك لمجتمعات ولأوطان تختار إختيارات يائسة مستسلمة لفخاخ الصيادين مُستغلى الفقر والظلام. فتعتصم الأوطان مضطرة بأوهام وأكاذيب وضلالات ثم تجتهد فى بناء جدار الصمت العظيم ويتناوبوا الخاتم . وحتما تنخدع المجتمعات وقد تختار إختيارات خاطئة في ظروف الفقر والظلام والفساد وقلة الوعى، وحتما تدفع الأوطان الثمن غالياً من مستقبلها وتاريخ أولادها، لكن لاحظ يتغير تاريخ الأوطان، إنما الإنسان يعيش حياة واحدة فلا تقهر الشباب والرجال والسيدات أيها الصامت البائس...
لا تصمتوا .
وطن من لحم :مقال صالح الغازي
صحيفة البداية

 Saturday, May 4, 2013
على الرابط




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

الفنانة المصرية دنيا مسعود