صالح الغازي: هناك روائيون يعيدون ما كتبوه والبعض يحتفي بهم مصطلح السرديات الكبرى مربك واستعراضي.
قام بالحوار الأستاذ حجاج سلامة.
تعدد أجناس الكتابة بالنسبة إلى الكاتب يمنحه ثراء مختلفا، إذ يمكّنه من الرؤية من أكثر من زاوية والتعبير بأكثر من جنس أدبي، وبإمكانه جمعها كلها في جنس الرواية الذي يعتبر مذوبا لمختلف الكتابات الأخرى. وهذا ما يعيه الكاتب المصري صالح الغازي. “العرب” كان لها معه هذا الحوار حول الرواية وقضايا أدبية أخرى.
يقول الكاتب والروائي المصري صالح الغازي إن مستقبل الرواية العربية سيكون أكثر إدهاشا، وإن جيل الأساتذة من الروائيين العرب كان عظيما، وفتح الطريق أمام الأجيال لتقديم نصوص لافتة.
ويؤكد الغازي على وجود روائيين متميزين وجديرين بالقراءة من أبناء الجيل الحالي، مشيرا إلى وجود روائيين وحكائين بارعين.
ويرى في مقابلة مع “العرب” أن الكاتب يضيع مجهوده ويقلل من قيمته حين يقلد أسلوبا محددا، وأنه لاحظ أن بعض الروائيين يكتبون ضمن نماذج وأساليب محددة، ويعيدون ما كتبوه، وأن البعض يتعمد الاحتفاء بهم ومنحهم مشروعية التواجد في المشهد الأدبي. وأوضح أن مستقبل الرواية العربية سيكون أكثر إدهاشا.
الرواية والتمرد
حول رؤيته لأهمية دور النقد في توجيه الحركة الأدبية ومواكبة حركة النشر، يقول صالح الغازي إن التناول النقدي هو جزء لا يتجزأ من المناخ الثقافي العام، وإن حظه كان جيدا في تناول كبار النقاد لكتاباته، ويوضح بأن المقاييس تغيرت وصارت محبطة، وهي مقاييس فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق الإلكتروني، مثل عدد من سجلوا إعجابهم وعدد المشاهدات وعدد المتابعين، ما جعل النقد الأكاديمي ينغلق على الخاصة. لكن مؤكد أن النقد الأدبي العربي على مستوى راق وقادر على مواكبة حركة النشر الواسعة في مجال الرواية، خاصة في ظل وجود الكثير من الأكاديميين والباحثين الذين امتلكوا أدواتهم النقدية وصارت لديهم صيغ وآليات نقدية مهمة.
تسأل “العرب” الغازي عن رؤيته لمدى تأثير المسابقات والجوائز الأدبية وخاصة الخليجية على الفن الروائي، فيقول إن “المسابقات والجوائز تؤثر بالتأكيد على توجه الكتاب لنموذج محدد أو موضوعات محددة، وقد توجه القراء لمؤلفين بعينهم بمجرد فوزهم.”
لكنه يشدد على أن عامة الجوائز والمسابقات مفيدة للكاتب، بالتشجيع والدعم، خاصة وأن الكاتب العربي غير متفرغ ولا تحقق له الكتابة معاشا ولا تأمينا صحيا، ويكافح ليحصل على حق عادل وتعويض على ما ينشره سواء في مجلة أو صحيفة أو كتاب. ويعتبر أن الجوائز قد تحقق تعويضا معنويا وماديا ومكاسب تسويقية، كذلك قد توفر فرصة الترجمة ووضع الرواية في دائرة البحث والدراسة.
يتحدث الروائي المصري عن رؤيته لفن الرواية باعتباره من الفنون الأدبية الحديثة في الأدب العربي، وكيف استطاع هذا الفن أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم من الذيوع، يقول “إن الرواية مدونة الإنسان المعاصر، واستطاعت احتواء حالاته ومعارفه وتنوع إبداعه، كما أنها إبداع مكتمل بذاته، فهي ليست كالمسرح تكتمل بالعرض، وليست كما الشعر مقترنة بالإلقاء.”
وحول ما يقدمه في أعماله وتجربته السردية يقول إنه يحاول تقديم شيء يخصه، يكون باسمه ويحمل واقعه المعيش وتجربته ورؤاه، ومن ثم -بحسب قوله- فإن إنتاجه قليل.
ويضيف أن تجربته السردية بدأت بمجموعتين قصصيتين هما “الرقة ‘البنات فقط'” (2012) و”تلبس الجينز” (2008) وقد كتبهما خلال إقامته في المملكة العربية السعودية، وطبعتا عدة طبعات في مصر والسعودية، وتمت مناقشتهما في نادي الشرقية الأدبي بالدمام.
ويؤكد أن روايته “الباص” التي جاءت ضمن أفضل 18 رواية عربية بقائمة جائزة كتارا، وصدرت العام الماضي 2024، كتبها في قرابة ثلاث سنوات، وفيها تماس مع تجربة الوحدة والغربة وافتقاد التواصل الإنساني، وهي مشاعر عاشها خلال فترة إقامته في الكويت. وعبر عن أمله في أن تجد تلك الرواية حظها في الترجمة وأن تكون هناك طبعة مصرية لها كي تتاح لشريحة أكبر من القراء المصريين.
ويعتبر الغازي أن ما حظيت به رواية “الباص” من اهتمام من قبل النقاد واستقبال القراء لها، وما حظيت به من مناقشات في الكثير من الندوات والحوارات داخل العالم العربي وخارجه، منحه دفعة أكبر لمواصلة مسيرته مع فن الرواية.
وحول موقفه من التيارات الحداثية في الرواية، يقول إن الرواية فن حديث وتعطي مساحة واسعة للتجريب، ويعتبر أن مصطلح “تيارات حداثية في الرواية” هو عنوان مخادع، لأن الرواية نوع إبداعي متمرد يشبه هذا العصر، والمفترض أن مع كل رواية نجد سردية مختلفة لأن الرواية تستوعب الكثير من الفنون الإبداعية.
وحول رؤيته لمفهوم “شعرية الرواية” يبين أن الرواية فن، والشعر فن آخر، لكن الشعر بمفهومه الواسع كأنه مرادف للإبداع فقد يلمسه في الموسيقى وفي الكتابة، هو سر من أسرار الفن، والشعر لا يعني الإيقاع فقط ولا البلاغة فقط إنما الشعر في رأيه هو قدرة الكاتب على النفاذ بالحالة للقارئ حتى من خلال مفردات الواقع العادية ودون الاستعراض اللغوي التقليدي.
أما عن موقفه من لغة السرد، وهل يفضل العامية على الفصحى، فيقول إنه يكتب في الرواية بالفصحى وأحيانا يكون الحوار بالعامية، وإنه يفكر بوجه عام بالعامية ويتحدث بها طوال اليوم ويحبها وتحبه، ولا يجد مشكلة أو عائقا في الكتابة بها، مؤكدا على أن العامية قادرة على الإبداع، وأن العامية المصرية القاهرية هي أقرب اللهجات للفصحى، وهي أكبر بنات الفصحى، واستطاعت تجاوز مشكلات كثيرة في الفصحى وهي مشحونة بالتراث المصري.
تسأل “العرب” صالح الغازي: هل ترى أن الروايات التاريخية هي نوع من التأريخ؟ فيجيبنا بأن الرواية التاريخية لا تعد نوعا من التاريخ، وإنما هي تناول لأحداث تاريخية، وأحيانا تكون جيدة وأحيانا لا تكون كذلك، وذلك حسب القدرات الدرامية لكل كاتب.
نسأله أيضا: هل ترى أن ثمة علاقة بين السرديات العربية الكبرى والفن الروائي الحديث؟ فيقول “إن الرواية قد تتناول أي موضوع وأي فكرة أو على الأقل تستفيد منها،” ويؤكد على أن مصطلح السرديات الكبرى هو مصطلح مربك واستعراضي ولا يراه نافعا في دراسة الرواية وذلك لما به من تعقيد فلسفي يميل إلى فكر العصور الوسطى، وهو يتماس دينيا مع الكتب المقدسة في الأديان السماوية حين نستعرض قصة الخلق مثلا، ويتماس فكريا مع بعض المذاهب الوضعية مثل الشيوعية، ويتماس مع المخيال الشعبي في القصص الملحمية والسير الشعبية، وهكذا -بحسب قوله- فإن السرديات الكبرى مؤثر عادي مثل أي مفردة في الحياة.
وحول رؤيته لمدى الحاجة إلى منهج ينبع من تراثنا العربي في نقد الرواية، يقول “لا، أبدا لا نحتاج إلى ذلك،” ويوضح أن التراث العربي عرف الحكايات والمقامات والأخبار والسير الشعبية، بينما الرواية بشكلها الحالي فن حديث.
يتحدث صالح الغازي عن عوالمه الإبداعية وطقوس الكتابه لديه، حيث يشير إلى أن لديه دائما مشروعا يكتبه، وأنه يمارس الكتابة بمعدل ثلاث ساعات في اليوم، وأن هذا المشروع قد يكون سرديا أو شعريا أو مقالا.
ويؤكد أنه لا توجد طقوس معينة للكتابة لديه، وأنه حين يكتب قد يجلس على المكتب، أو على الكنبة، وقد يدون على ورق ثم يكتب على جهاز الكمبيوتر، أو يكتب على جهاز الكمبيوتر مباشرة، وغالبا ما يدون ما يطرأ على باله من أفكار على هاتفه الجوال.
ويشدد على أن أهم طقوس الكتابة لديه هو مراجعة ما يكتبه وإعادة كتابته عدة مرات، حتى يصل إلى الشكل الأمثل، ويكشف عن أنه قد يلجأ إلى أخذ رأي من يثق برأيهم قبل النشر.
ويعتبر صالح الغازي أن القراءة هي المحرض على الكتابة، ويقول إنه حريص على القراءة بانتظام، وإنه كثيرا ما يشعر بأنه يحب كل الكتاب من مفكرين وروائيين وشعراء، وأحيانا يشعر بأن لديه ملاحظات على كل كاتب ممن يقرأ لهم، لكنه يحاول دائما القبض على ميزة كل مبدع باكتشاف المنطقة الإبداعية والأسلوبية التي تميزه، وإنه دائما يحاول فهمها والاستمتاع بها، وإنه حريص أيضا على مشاهدة السينما وسماع الموسيقى ومتابعة معارض الفن التشكيلي.
ويلفت إلى أنه يحاول إعادة قراءة طه حسين ونجيب محفوظ وشكسبير وميلان كونديرا وتشيكوف ومحمود درويش وكواباتا وهمنجواي ومورافيا ومويان، بالإضافة إلى “ألف ليلة وليلة” والأدب الشعبي والتراث الشعري العربي والعالمي.
وحول أكثر أعماله قربا له، يقول إنه أصدر ثلاثة عشر كتابا ما بين السرد والشعر، ويبين أن الشعر هو حواره الدائم مع نفسه ولذلك فإن كل دواوينه الشعرية قريبة منه، بينما تأتي رواية “الباص” لتكون الأقرب إليه من بين مؤلفاته السردية.
يذكر أن صالح الغازي هو شاعر وروائي مصري مقيم في الكويت، وهو أحد الخبراء المعروفين في مجال صناعة النشر. ويتمتع الغازي بعضوية عدد من المؤسسات في كل من مصر والكويت، بينها اتحاد كتاب مصر وأتيليه القاهرة ورابطة الأدباء الكويتيين ومجلس أمناء جائزة الدكتور عبدالعزيز المنصور للناشر العربي.
وقد صدرت له رواية “الباص” 2024، عن دار ذات السلاسل، “هدايا من بحر الأحلام” 2025 (أغاني للأطفال قبل النوم) عن المركز القومي لثقافة الطفل، “قالوا عن الحب” 2024 (مختارات) عن دار ذات السلاسل، “قالوا عن الفراق” 2024 (مختارات) عن دار ذات السلاسل، “المتوحش اللي جوايا” 2019 (شعر بالعامية) عن دار العين، “محنة التوق” 2013 (رؤية نقدية)، “تلبس الجينز” 2008 (قصص قصيرة)، وغيرها من المؤلفات في مختلف أجناس الأدب.
تعليقات
إرسال تعليق