الزمن مالوش صاحب شهادة :صالح الغازي في ذكرى الشاعر مجدي الجابري


على شاطئ البحر بنتٌ. وللبنت أَهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتان وبابْ...
وفي البحر بارجَةٌ تتسَلَّى
بصَيْدِ المُشَاة على شاطئ البحر:
أَربعَةٌ، خَمْسَةٌ، سَبْعَةٌ
يسقطون على الرمل، والبنتُ تنجو قليلاً
لأنَّ يدًا من ضبابْ
يدًا ما إلهيَّـةً أَسْعَفَتْها، فنادتْ: أَبي
يا أَبي! قُمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا !
لم يُجِبْــها 



تعرفت على الشاعر الراحل مجدي الجابري مع بداية التسعينيات، أعتقد 1993م ، كان أغلب الشباب مشغولين بقصيدة النثر سواء الفصحى أو العامية وكانت ظاهرة كبيرة واصدارات كثيرة وكتب وجماعات ومين مع ومين ضد واستقطاب كبير وأكثر ما أعجبني في مجدي أنه مستقل لا ينتمي لجماعة بعينها ولا لشلة (صوته متفرد ومن دماغه)
الفترة دي كان أغلب الشباب بيكتبوا قصيدة النثر وفي رأيي كانت مرحلة  فيها الحضور الشعري مميز وبيقدم رؤى وأفكار وقصايد جديده فعلا.  
كانت أبرز أفكار كتابة قصيدة نثر العامية بتدور حول ان الشعر  اللي بيعتمد على المجاز والتفعيلة لا يمثل حاضرنا ولا تطورات العصر، ورفض بالتالي تقليد او اتباع أي انشغالات صوتية تقليديه لشد الانتباه   و إلهاء المستمع بالزخرفة عن المضمون اللي مليان جمل عادية ومكررة على حساب جوهر الحالة والرؤية وكان  الرفض طبعا لكل الجيل القديم وعلى رأسهم حداد و جاهين والابنودي ونجم وحجاب وغيرهم دون التقليل من شأنهم والاعتبار الكامل لشعريتهم التي يجب ان تنتهي عند تجربتهم.
كان الجميع يتحدثون بمبررات مختلفة فيها من الحماسة أكثر ما فيها من الموضوعية لكن مجدي كان منطقه غير مراوغ وأفكار موضوعية ودقيقه، وكنت استمتع بحديثه وعندي مثال مهم لطريقته المميزة في الكلام والتفكير متمثله في  قراءة قدمها عن  تجربتي في ديواني الأول (نازل طالع زي عصاية كمنجة) وناقش الديوان  في غزل المحلة 1997 وناقشه مره تانيه في ندوة معرض الكتاب  1998م والدراسة (مرفق نصها وموجوده على اليويتيوب بصوته).ولدينا صورة وحيدة معا أثناء  ندوة معرض القاهرة للكتاب رقم 30(مرفقة) وفيها الزملاء المناقشين للديوان.كان كلام مجدي في الندوات يشبه كلامه في الجلسات الخاصة،فيه جدية وحقيقية.
أنا كنت شايف مجدي من القلائل المتسقين مع أشعارهم فما كتبه من اشعار ونصوص دليل على خصوصيته ورهافته.
 كنت أقيم بين القاهرة والمحلة الكبرى وأقابله كتير في ميدان طلعت حرب ، ويعزمني على شوربة العدس أو نجلس على القهوة أو في بيت الاصدقاء كان يحب العامية والتراث ويتحدث عنهما بحب ويحكي عن ما جمعه من الفلكلور من حلايب و شلاتين،  هو ماكانش بيحب النميمة ولا المجاملة ولا كان يختبر أحد في الكلام ليصنفه أو يجعله يختار بين أن يكون معه أو ضده انما هو كان متعاطف مع الانسانية. وكان يحكي بحب عن اسرته. ويحكي عن العمل بانزعاج. وبيدخن بشراهة.
حضرت معاه مؤتمر قصيدة نثر العامية في بهتيم في منتصف التسعينات ثم مؤتمر قصييدة النثر في المحلة في نهاية التسعينيات.
في وقت اشتداد المرض علي مجدى كنت في المحلة وباتطمن عليه  تليفونيا وكتبت له قصيدة (يا الله السلام) – اتنشرت فيما بعد في ديوان الروح الطيبة –  وزرته في أواخر أيامه كان في بيت والدته في الجيزة عند مستشفى أم المصريين ،كان لقاء مؤثر وكان شكله ظهر عليه الاجهاد، قرأت له القصيدة وفرح بها، وحضني ومشيت وانا زعلان قوى من الزمن، بعدها بكام يوم اتصل بي صديقنا المشترك مسعود شومان على تليفون البيت –قبل ظهور الموبايل-  وبلغني بوفاة مجدي، سافرت للقاهرة واتقابلت عند الهيئة مع اصحابنا من الادبا وزمايله وركبنا أتوبيس الهيئة ومشينا ورا سيارة الاسعاف اللي كان فيها مجدي ،لحد ما وصلت لمقابرعائلته في الفيوم وودعناه في يوم حزين.
تزامنت بداية صداقتي بمجدي-الله يرحمه- مع أصدقاء عديدين من الشعراء والنقاد خاصة من كتاب قصيدة نثر العامية أو نقادها وبدون ذكر اسماء لأنهم كثيرين وقد أنسى أحد وكلهم أعزاء، لكن تعالى شوف الزمن عمل ايه فيهم ! الزمن فعلا مالوش صاحب ولا كبير، بياخد مننا ناس و بيكشف معادن ناس وبيفرز الافكار وبيفرز المدعي من الأصيل والحقيقي من المزيف.
الله يرحمك يامجدي بتوحشني قوي.

-----------------

نشرت في عدد مايو 2019 #الثقافة_الجديدة
 بعنوان الشاعر المستقل الذي لا ينتمي لجماعة.
--------------------------------------
هامش
--
-قراءة في ديوان صالح الغازي  (نازل طالع زي عصاية كمنجة) بصوت الشاعر الراحل مجدي الجابري
التسجيل الصوتى  علي اليوتيوب على الرابط)
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

عن رواية الباص