مقال صالح الغازي :حكاية البجعة والتعايش السلمي في صحيفة القبس

المقال على الرابط : https://alqabas.com/619142/



* لا أجد نفسي هنا، وأنادي في كل تصرفاتي أن هذا المكان ليس مكاني، وما يُصَعب عليَّ الأمور أن من حولي لا يقبلونني، أشعر أن قدراتي معطلة، قالوا إن على الكائن السعي لقنص مكانته، فهل أتحول إلى ضرير لا يرى إلا مصلحته وأنصرف إلى حشد جهودي لإقصاء الآخر؟ صرت كأنني بجعة أعيش في بلاد البط، لا أجد من الجميع سوى السخرية من لون ريشي وطريقتي في المشي أو العوم وتحمُّل قسوة رد فعل الآخرين على كل ما أفعله، تسربت القسوة لنفسي فأصبحت مكدر المزاج لا أفكر إلا في رد فعلهم تجاهي، انهم يتربصون بي!
* يحكي بيتر أندرسون حكايته الشهيرة حينما فقست البيضات وجدت الأم فرخاً لونه مختلف «قالت البطة العجوز للأم: أفراخك جميلة جدا باستثناء ذي اللون الرمادي، فأجابتها: انت محقة، الا انه يمتاز عن سواه. قالت البطة العجوز: ما خلا هذا الفرخ فصغارك يمتازون بالقبول.. أهلاً وسهلاً بكم في ما بيننا»، ومنذ ذلك الحين بات الفرخ القبيح أضحوكة الكل، ليس هذا فحسب، بل أصبح طريد الدواجن على اختلافها وبات معزولا، حتى ان كل ما يشغل تفكيره هو فكرة الهرب ليترك موطن البط، حتى تصادفه سيدة عجوز فتفعل فيه خيرا وترعاه، ثم يأتي سرب من البجع ليكتشف انه يرتاح معهم، ليتفاجأ انه مثلهم وأنه مقبول وسطهم ويكتشف أنه بجعة! فينضم لهم.
* الميزة البشرية الأهم هي التعايش والتحاور وقبول الآخر، وحديثا ظهرت أفكار في تاريخ الفكر العالمي تعزز ذلك، مثل التعايش السلمي ومثل التسامح الديني ومثل التعايش التعاوني ومثل قبول الآخر ومثل اعلاء قيمة الموهبة، وأكاد أجزم أنه لا توجد حضارة في تاريخ البشرية الا إذا قامت على أساس التعايش. كذلك قلما نجد إنسانا معدوم القدرات أو غير قابل للتواصل والتعلم والتفاهم، والمشكلة في التعايش فقط لتسهل إدارته وتوظيف إمكاناته وتسكينه وتأهيله وتدريبه والحفاظ على ولائه بالشكل الذي لا يجعله محتقنا وبالطريقة التي تحترم تفكيره، أو حتى إن كان على خلاف فكري فهناك المساحة التي يجب أن يحظى بها ليراجع نفسه، أو لنسمح لبعضنا بالتفاهم والاختلاف، بالتأكيد ستسمح تلك المساحة بالمراجعة المستمرة ان وجدت، أما التصنيفات وأي انتماء ضيق حتما هو أمر مبالغ فيه، يستند على أفكار محدودة أو وقتية تعطل الجهد الإنساني والانجاز ولا تصب في مصلحة أي من أطراف المجتمع. الإنسان كائن يميل إلى الحياة الآمنة المطمئنة، تخيل معي ما شعور هذه البجعة بجدة البط؟ وبمن سخروا منها ومن أقصوها؟ وما شعورها حينما خرجت من مدينة البط كسيرة؟ وما قوة عطائها في عالمها الجديد الذي وجدت فيه نفسها؟.. ان الحياة تتسع للجميع.


نشر المقال 
في صحيفة القبس الكويتية 
الأربعاء 26 ديسمبر2018  
مقال صالح الغازي :حكاية البجعة والتعايش السلمي في صحيفة القبس 

صالح الغازي









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

غربلة| صالح الغازي يكتب: اقرأ يا شيخ قفاعة

بروفايل صالح الغازي Saleh Elghazy

أم الطرمان تعرف لغة عيالها

مقال فى رواية ( بار أم الخير) للروائي محمد داود

بروفايل صالح الغازي

بروفايل صالح الغازي

فريد ابو سعدة "مصوراتي لا يكف عن الكلام"

أنتمي لإبداعي ..شهادة الشاعر صالح الغازي في الكتابة والشعر

ريم المحمودي في لقاء عن أحدث ابداعاتها (بعض مني)

عن رواية الباص